القاهرةـ ربما تكون هي المرة الأولى التي تدعو فيها السلطات المصرية الشعب للتظاهر من أجل القضية الفلسطينية، مما أثار دهشة معلقين بحثا عن الأسباب.

وتباينت الأسباب بين من اعتبرها تعبيرا عن الموقف المصري الطبيعي تجاه عدوان الاحتلال الإسرائيلي، ومن رأى فيها محاولة لصد الضغوط الغربية على القاهرة، في حين قال آخرون إنها تحقق للنظام أيضا شعبية تستند على تجذر القضية الفلسطينية في نفوس المصريين، كما أنها تعوض الدور الغائب للمعارضة الإسلامية والقومية.

والجمعة الماضية، نظم حزب مستقبل وطن وبرلمانيون مؤيدون للسلطة تظاهرات في ميادين كبرى بالقاهرة والمحافظات، وجرى نقل المشاركين فيها بحافلات إلى أماكن التظاهر، مزودين بلافتات سابقة التجهيز ملونة ومكتوبة باللغتين الإنجليزية والعربية تحمل معاني الدعم لفلسطين ومصر معا، مع صور للرئيس عبد الفتاح السيسي.

وبدأت الدعوة للتظاهرات عندما أكد الرئيس المصري أن ملايين المصريين مستعدون للمظاهرات، رفضا لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، وذلك خلال لقاء مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة الأسبوع الماضي.

غياب المعارضة

في هذا السياق، قال المذيع المقرب من السلطة أحمد موسى إن التظاهرات الأخيرة تكرر مشاهد 30 يونيو/حزيران 2013، عابرة 10 سنوات، لتجدد التأكيد أن شعب مصر يحب بلده ورئيسه ويقف وراء جيشه، وشرطته وقضائه، موضحا أن المصريين نزلوا لدعم الفلسطينيين وتمسكهم بأراضيهم، إلى جانب تأكيد الحفاظ على سيناء، وفق تعبيره.

وأكد موسى -في برنامجه المذاع على إحدى الفضائيات المصرية- أن “هذا الشعب واع ويستشعر الخطر وينسى حينها كل شيء ليتلاحم وراء القيادة، وأن ملايين المصريين أثبتوا أن الشعب عظيم وراء بلده وقواته المسلحة وقائدها الأعلى، وأوصلوا رسائل بأن فلسطين ومصر يد واحدة”.

في المقابل، أكد القيادي بالحركة المدنية مجدي حمدان أن ما جرى عقب تلك التظاهرات من ملاحقات للمشاركين فيها، الذين انطلقوا من الأزهر وصولا لميدان التحرير، أرسل للمصريين رسائل بأن الدعوة لم تكن جادة، بل كانت لها أغراض أخرى تخدم السلطة.

وفوق ذلك، لم تحقق التظاهرات تلك الأغراض المرجوة للسلطة -برأيه- والمتمثلة في إرسال رسائل للغرب الضاغط عليها بأن الشعب يرفض ما تريده إسرائيل من تهجير الفلسطينيين إلى مصر، “لأن لدى تلك الدول أجهزة ومراكز بحثية، توضح لهم طبيعة الحشود، وإذا ما كانت مفتعلة أم حقيقية، والنتيجة تمثلت في فشل قمة القاهرة للسلام، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية والمواقف الدولية الضاغطة”.

وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر حمدان أن السلطة اضطرت لتحريك الجماهير -المرعوبة من التحرك- بدعوتها للنزول للشارع من أجل غرض تقوية موقفها إزاء الضغوط الغربية، إذ تم تغييب متعمد وقسري من قبل السلطة للتنظيمات التي كانت تقوم بهذا الدور بشكل فعال وحيوي وحقيقي، وجرت شيطنة مكونات تحالف 30 يونيو/حزيران 2013، كما جرى من قبل شيطنة جماعة الإخوان المسلمين، مما أدى لشل مختلف القوى السياسية، وخوف الجماهير من تبعات النزول التلقائي للتظاهر.

واعتبر المتحدث ذاته أن كثيرا من المصريين تحلوا بالشجاعة والفطنة، فنزلوا للشوارع يتظاهرون بعيدا عن المناطق المحددة، من دون أن يعطوا فرصة للسلطة لاستثمار حشودهم لصالح تحسين صورتها داخليا.

توجهات الشعب

ورأى الكاتب والناشط في مقاومة التطبيع سيد أمين أن دعوة السلطة المصريين للتظاهر استهدفت امتصاص الغضب المتصاعد، وتفريغه في حراك محكوم وموجه، بدلا من انفجاره مع تراكم الغضب المكبوت في الصدور.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أمين أن السلطة سعت بتلك الدعوة لتأكيد التماهي مع توجهات وتطلعات الشعب المصري في نصرة أشقائه الفلسطينيين، وتصويب الصورة عنها بأنها تخلت عن القضية الفلسطينية، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية.

وتابع أن “عدم نزول مظاهرات قوية في مصر مقارنة بعدد سكانها، مع كونها البلد الوحيد المجاور لقطاع غزة والذي له تاريخه في تبني القضية الفلسطينية، سوف يعطي إشارات غير حميدة للداخل، ولمحبي مصر في الخارج، فكان لا بد من وجود تظاهرات معقولة ومحكومة”، حسب تعبيره.

ولفت المتحدث باسم الجبهة السلفية خالد سعيد إلى أنه “جرى تحجيم القوى الإسلامية بشقيها الحركي الاجتماعي ممثلة في التنظيمات الإسلامية، التي كانت تحافظ على قضية فلسطين حية في الأمة، بالتوازي مع محاولات لجم الشق الرسمي المدرسي المتمثل في الأزهر الشريف”.

وفي حديثه للجزيرة نت، تعجب سعيد من أن “الجيل اعتنق القضية الفلسطينية فورا بمجرد تصدرها الساحة في حدث كبير يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي (عملية طوفان الأقصى)”، الذي اعتبره المتحدث امتدادا للسادس من أكتوبر/تشرين الثاني المجيد عام 1973.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.