الجزائر- انطلق رسميا في الجزائر، منذ الخميس 15 أغسطس/آب الجاري، قطار حملة الانتخابات الرئاسية المسبقة المقررة يوم السابع من سبتمبر/أيلول المقبل.

ويتنافس في ثاني استحقاق رئاسي بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019، كل من الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، بصفته مترشحا حرا، ويوسف أوشيش عن حزب جبهة القوى الاشتراكية (التيار الديمقراطي وأقدم حزب معارض في الجزائر)، وحساني شريف عبد العالي عن حركة مجتمع السلم (التيار الإسلامي وأكبر أحزاب المعارضة حاليا).

وكانت السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، ثم المحكمة الدستورية لاحقا، قد رفضتا ملفات 13 راغبا في دخول السباق الرئاسي، ويوجد 3 منهم -حاليا- تحت الرقابة القضائية “إثر المتابعة عن تزوير توقيعات اكتتاب مواطنين ومُنتخبين” (يشترطها القانون الانتخابي للمترشحين)، وفق لائحة الاتهام.

تنافس هادئ

ويُعتبر دخول 3 مترشحين فقط للتنافس على قصر المرادية هو المعدل الأضعف في تاريخ الرئاسيات الجزائرية المفتوحة منذ 1995، حيث عرفت آخر انتخابات في 2019 قبول 5 متسابقين.

كما أن فعاليات الحملة الدعائية تجري في فصل الصيف تزامنا مع الإجازات السنوية للموظفين، وهو ما يتوقع مراقبون تأثيره السلبي على زخمها الجماهيري، بينما بررت السلطات توقيت الانتخابات المسبقة بما وصفته بـ”مخاطر إقليمية منتظرة”.

وفي قراءة للهوية الإيديولوجية والسياسية للمترشحين الثلاثة، ومدى تمثيلهم للعمق الشعبي والمناطقي في الجزائر، يرى عبد السلام فيلالي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، بجامعة باجي مختار (محافظة عنابة)، أنها تعكس طبيعة المشهد الجزائري مثلما تشكل منذ بداية التعددية السياسية عام 1989، أي: التيار الوطني، والإسلامي، والديمقراطي.

كما أنها تتوافق، برأيه، من حيث التأكيد على القيم الوطنية والمبادئ الدستورية ونبذ الجهوية والعرقية، بما “يعني تنافسا هادئا بعيدا عن الإيديولوجيا والسجال الهوياتي”، وبالتالي، سيركز خطاب الحملة الانتخابية على البعد الاقتصادي -الاجتماعي في ظل المعطيات التي تفيد بأن مؤشرات الاقتصاد الجزائري والوضعية المالية “واعدة”.

وقال فيلالي -للجزيرة نت- إن خطابات المتسابقين ستتوجه نحو إحداث نقلة فيما يخص الحوكمة، وما يتعلق بمحاربة البيروقراطية والفساد والعدالة الاجتماعية وتحسين أوضاع المواطنين على مستوى الأُسر والمحيط الاجتماعي والخدمات.

من جهة أخرى، يعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي أن محدودية التنافس الرئاسي الضيق تمنح المترشح الحر تبون أفضلية تبعا لمعطيات موضوعية تتعلق بـ”تجاوز الجزائر حالة شد وجذب عاشتها خلال الحراك الشعبي سنة 2019، وبنتائج مرضية لمشروع النهوض الاقتصادي في انتظار آثاره الإيجابية، خاصة على البطالة والقدرة الشرائية”.

أما المرشحان الآخران، أوشيش وشريف، فإن أول رهان يواجههما -برأيه- هو تأكيد صورتيهما لدى الناخب الجزائري، باعتبارهما قادرين على طرح برنامج منافس ومقنع نظرا لمحدودية شعبيتيهما، إضافة إلى عائق أفضلية الانطلاق لرئيس الجمهورية ودعمه من أحزاب فاعلة.

المترشح حساني عبد العالي شريفي في نشاط جواري بقلب العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

رهانات

وعن التوقيت الصيفي للحملة الانتخابية، يؤكد المحلل فيلالي تأثيره السلبي على متابعة المواطنين لمجرياتها والاطلاع على مضمون البرامج المقدمة، وعلى نسبة المشاركة في الاقتراع.

وقال إن الموعد يفرض على الحكومة تحديا كبيرا لتكون نسبة المشاركة في حدود 60% على الأقل، وعليه، فإن رهان هذه الانتخابات يخص الاختيار وجلب الناخبين إلى مراكز الاقتراع يوم السابع من سبتمبر/أيلول القادم، خاصة في ظل محدودية الإقبال خلال المحطات السابقة.

وبخصوص الرهانات الخارجية، أوضح سليم قلالة أستاذ الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية، بجامعة “الجزائر 1″، في تصريحات للجزيرة نت أن الانتخابات الحالية تجري ضمن سياق معطيات جديدة ناتجة عن التحول الحاصل في دول جوار الجزائر، خاصة بالساحل الأفريقي، حيث ازدادت التوترات والتدخلات الأجنبية.

ويتوقع قلالة أن يكون لذلك أثر على الخطاب السياسي للمترشحين، حيث سيركز جميعهم على إعادة تفعيل آليات التفاوض التي اعتمدتها الجزائر سابقا، وحققت نتائج في المنطقة، بينما تم التخلي عنها في الآونة الأخيرة خاصة في مالي.

ويرى أن ما ينطبق على بلدان الساحل ينسحب على دول الجوار الأخرى، حيث لن تتخلى الجزائر على سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين في إطار المبادئ الأساسية التي تحكم سياستها الخارجية.

أما بالنسبة للتعامل مع الدول الأوروبية، فإن ما يحدث حاليا هو تنويع في العلاقات الجزائرية، مع ابتعاد ملحوظ عن فرنسا سياسيا وتجاريا، وهناك اتفاق كبير بين المترشحين حول هذه المسألة في نطاق وحدة المنظور للسياسة الخارجية، حسب قلالة.

وأضاف أن العالم يمر بمرحلة انتقالية من هيمنة القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة إلى التعددية القطبية، حيث يزداد مجال المناورة لدول الجنوب بشكل كبير، وتصبح لديها الفرصة -لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية– لبناء سياسة خارجية وداخلية وفق ما تستدعيه مصالحها.

وهذا هو حال الجزائر اليوم، في تقدير المحلل، حيث تعمل لعدم البقاء ضمن أية دائرة هيمنة، سواء كانت شرقية أم غربية، وبقدر ما يحمله هذا الموقف من توجه استقلالي فهو يحمل تحديات يشعر بها السياسي المترشح، كما يحس بها المواطن الذي يريد سياسة خارجية متوازنة لبلده، تعزز مسار التنمية وتبعد عنه التدخلات الأجنبية، على حد تعبيره.

المترشح يوسف أوشيش خلال تجمع شعبي ضمن فعاليات الحملة الانتخابية (مواقع التواصل)

مؤثرات دولية

من هذه الزاوية، يرى خبير الاستشراف قلالة تأثير المحيط الخارجي على الانتخابات الرئاسية في الجزائر، برصد 4 متغيرات رئيسية في هذا المجال وهي:

  • العلاقة مع الدول الغربية على ضوء المصالح المشتركة، خاصة في مجال تصدير الطاقة والحفاظ على الأمن، لا سيما في حوض المتوسط.
  • العلاقة مع القوى الكبرى الشرقية، على غرار الصين وروسيا، من حيث ارتفاع مؤشرات التعاون -باطراد- خلال السنوات الأخيرة.
  • أهمية العلاقة مع الجنوب، خاصة الدول الأفريقية التي باتت تسعى لانتهاج سياسة مستقلة عن الغرب، وإعادة النظر في علاقاتها غير المتكافئة مع بلدانه كافة، وفي مقدمتها المستعمِر السابق.
  • الموقف من القضية الفلسطينية بكل دلالاته الجيوسياسية في المنطقة، وهو المتغير البارز بشدة في الانتخابات الحالية، وله أثر كبير على سياسة الجزائر الخارجية.

في السياق نفسه، شدد المحلل قلالة على مسألة “في غاية الأهمية” قد تنفرد بها الجزائر، وهي وجود وحدة في الموقف الخارجي بين السلطة والمعارضة، يصل أحيانا إلى درجة التطابق التام، على خلاف الموقف من السياسات الداخلية وأساليب إدارة شؤون الدولة.

وعليه، يتوقع المتحدث استمرار التطابق بين المترشحين، إن في إدراك طبيعة تأثير المتغيرات الخارجية على السياسة الداخلية، أو في الموقف من مختلف القضايا الدولية سواء كانت في الجنوب أو الشمال.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.