استعاد مثقفون في خيمة إبداع منتدى أصيلة في الدورة السادسة والأربعين، الوزير الراحل محمد بن عيسى، وما أسهم به في نقش اسم مدينته (أصيلة) في وجدان العالم ووعيه، وطغت على التظاهرة الخريفية، كلمات التأبين للأيقونة (بن عيسى) الذي تآلفت على يده السياسة والثقافة، ومنح المتحدثون والحضور المشارك الثقة للأمين العام حاتم البطيوي، الجدير بمنح مدينته استدامة ثقافية وإبداعية وفق معطيات العصر.

وأجمع مشاركون، على قيمة الأثر الذي خلفه الوزير السفير التنموي محمد بن عيسى، كون له مكانته المعتبرة رجل دولة مقتدر، ودبلوماسي محنك، إضافة إلى خصال إنسانية رفيعة، وسعة الأفق والفكر وشغف بالثقافة.

وضمت الندوة متحدثون عرباً وغربيين توزعوا على ست جلسات، وقدموا أربعين شهادة.

وأكد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة حاتم البطيوي، على أن (بن عيسى) غرس «نبتة طيبة سرعان ما أينعت وتحولت إلى شجرة امتدّت أغصانها وظلالها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، وصار لها محبون في كلّ الأقطار، لأنّها انطلقت من روح خيّرة، ومن أجل أهداف نبيلة، تعلي من شأن الفكر والإبداع، وتضع شرف القيم الإنسانية السامية فوق كلّ اعتبار».

وأكد البطيوي أن (بن عيسى) «ترك خلفه رجالاً ونساءً أوفياء لرسالته، من أجل ضمان استمرارية المساهمة الفعّالة لمدينة أصيلة في الإشعاع الثقافي للمملكة المغربية، وفي نشر القيم السامية للفكر والإبداع»، لذلك خلص إلى الحديث عن «رسالة الأمل والإصرار على مواصلة رسالة المعلّم الملهم: رسالة الثبات على خط التنوير الفكري، والتنمية الثقافية، والقيم الإنسانية السامية، ونهج التسامح والانفتاح وحوار الثقافات».

فيما أثنى الأمير بندر بن سلطان، في كلمة بعثها للمنتدى، على (بن عيسى)، الذي ربطته به «أواصر المحبة والأخوة والصداقة»، منذ فترة عملهما المشترك في واشنطن. وقال الأمير بندر بن سلطان: إن (بن عيسى) كان «خير العضيد ونعم الرفيق، في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية»، وعبّر عن سروره بالمشاركة في عدد من دورات موسم أصيلة الثقافي الدولي، إلى جانب صديقه الراحل، مشيراً إلى أن علاقته به استمرت إلى أن انتقل إلى «رباط العز والخير»، في إشارة إلى تعيينه وزيراً لخارجية المغرب في 1999. موضحاً أنه عمل باستمرار، رفقة (بن عيسى)، على تعزيز وتمتين الروابط الثنائية العريقة بين المملكتين، المغربية والسعودية، وأضاف «دأبنا على تطوير وتنمية العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية، بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية الشقيقة، التي تمتد لعقود ويرعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والملك محمد السادس العلوي، واللذان يحرصان على تطويرها في كافة المجالات، بما يخدم المصالح المشتركة بين الدولتين، وبما يعزز مصالح الأمتين العربية والإسلامية، والسلام والاستقرار الدولي».

وتطلّع الأمير بندر إلى أن يواصل الخلف في مدينة أصيلة «نهج» (ابن عيسى)، لـ«تطوير المنتدى وإكمال المسيرة الطيبة» التي بدأها الراحل.

فيما أشاد أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى، بما قدمه الراحل محمد بن عيسى، من «خدمات جليلة لبلدته وبلده ووطنه وأمته». وقال إن الفقيد كان «تجسيداً للمواطن المغربي، المرتبط وجدانياً بأمة عربية، ذات ثقافة ثرية، رغم تمتعه برابطة قوية بالثقافة الغربية». وأضاف، في معرض رسالة إلى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، أن بن عيسى «كان مزيجاً إيجابياً بين الثقافتين، ورابطاً إيجابياً بين الذهنيتين»، مشيراً إلى أن هذا التنوع الثقافي قد أنتج «عقلاً متفتحاً، وذهناً وقاداً، ولساناً لبقاً».

وتحدث مستشار ملك مملكة البحرين لشؤون الإعلام نبيل الحمر، عن (ابن عيسى) إنساناً مثقفاً، متواصلاً مع مجتمعه العربي، محباً للجميع. وأضاف: «رحل عنا جسدياً، لكن إرثه الثقافي والمعرفي، سيظل خالداً في ذاكرة كل من عرفه، أو تأثر بأفكاره ورؤاه، ولديه رؤية واضحة حول أهمية الثقافة، باعتبارها وسيلة للتواصل والتفاهم بين الشعوب»، كما «ساهم في بناء جسور من الفهم والتعاون بين الحضارات»، و«سعى جاهداً لتقديم الثقافة العربية للعالم، مؤكداً على امتزاجها مع الثقافات الأخرى».

وتناول الوزير الليبي عبد الرحمن شلقم، جانباً من سيرة (ابن عيسى) وقال «كان حشداً من الرجال والعقول، مكتبة تتحرك في مسار طويل، من عبر بابها سكنها، ولا يغادر دنياها».

وأكد الكاتب الصحافي اللبناني خير الله خير الله، على أن (ابن عيسى)، كتلة من النشاط، في كلّ عمل مارسه، وفي كلّ مهمّة أوكلت إليه، كما «كان السهل الممتنع»، و«رجالاً عدة في رجل واحد»، كان «هاجسه في كلّ ما فعله، خدمة المغرب»، فيما «لازمه دائماً، ذلك التواضع الذي لا يمتلكه غير الكبار الواثقون من نفسهم، والذين يتمتعون في الوقت ذاته، بكبرياء وأنفة المغربي، الذي يعرف تماماً أهمّية بلده، ومؤسساته الراسخة، في مقدّمها مؤسسة العرش، وتاريخها القديم». وعدّ أن «خسارة محمّد بن عيسى لا تعوض».

واستعرض الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي في الكويت؛ ماضي الخميس، صوراً من دور (ابن عيسى) وقال: «كان كريماً في كل شيء، صريحاً، عميقاً، ومؤمناً بأن لا نهضة بدون حرية، ولا تقدم بدون فكر مستنير، وأضاف؛ هو «المُعلم والمُلهم، سبق عصره، وعاش من أجل المبادئ، وترك أثراً لا يُمحى».

فيما وجه النائب الأول لرئيس مجلس الشورى في مملكة البحرين جمال فخرو، رسالة لـ(ابن عيسى)، وقال: «لا نتذكرك لأننا لا ننساك» وأضاف: «كيف نتذكرك وأنت بيننا. لم تغب عنا لحظة. وجسدك، لا يزال بيننا، نتلمسه ونصافحه ونعانقه، دون أي عناء. نشاهدك في كل خطوة نخطوها هنا في أصيلة، واستعرض المفكّر سعيد بن سعيد العلوي، جوانب من شخصية (بن عيسى)، الذي تختصر شخصيته في صفة القدرة، مجسدة في القيادة، والرئاسة، والزعامة، والاستطاعة والقدرة على التغيير. وقدم ثلاثة مظاهر للروح القيادية التي ميزت (بن عيسى)، تمثلت في، الرؤية الواضحة والإصرار، والإيمان بأن الثقافة ليست ترفاً، إضافة إلى سؤال ماذا باستطاعة المجتمع المدني أن يقدمه. ووصف الكاتب عبد الوهاب بدر خان، (بن عيسى)، بالشخصية بالغة الشفافية، فالجميع يعرف كل جوانب شخصيته، من الدبلوماسي إلى المثقف إلى السياسي. فيما تم توقيع كتاب «خيمة الإبداع» متضمناً 78 شهادة، تحت عنوان «شهادات وذكريات /‏ محمد بن عيسى… رجل الدولة وأيقونة الثقافة».

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version