مع انطلاق عرض مسلسل «بنات البومب» في 22 أكتوبر الجاري، تحوّل العمل سريعاً إلى محكٍّ نقديٍّ وجماهيريٍّ في آنٍ معاً: هل نحن أمام منافسٍ جادٍّ لظاهرة «شباب البومب»، التي تربّعت طويلاً على الواجهة بأقل الإمكانات وأكثر الذكاء؟ أم أمام ظلٍّ نسائيٍّ لهيكلٍ ناجح لا يُستنسخ؟ ما بين موجة ترحيبٍ جماهيرية سريعة، وتباينٍ نقديٍّ واضح، يتقدّم السؤال الكبير بخطى واثقة: من يسحب البساط من الآخَر؟
يصنع «بنات البومب» حجّته الأولى من زاوية الرؤية؛ انتقال الكاميرا من عالم الفتيان إلى عالم الفتيات، مع الإبقاء على الجوهر الكوميدي الخفيف، وإضافة طبقة درامية تُلامس تحدّيات الدراسة والعمل والعائلة والصورة الاجتماعية. هذا التحويل ليس تجميلاً سطحياً للمشهد؛ إنه تعديلٌ في موضع العدسة، يُراهن على جمهور جديد وخريطة حساسية مختلفة. هنا يبدأ الانقسام النقدي؛ فريقٌ يرى في العمل تشكيلاً للواقع لا تنميقاً له، ومحاولة واعية للوصول إلى شريحة أوسع عبر قصص قريبة ومنضبطة بعيداً عن مطاردة «الترند». وفريقٌ آخر، يحذّر من «تلطيف» صورٍ تستحق معالجة أعمق، خشية أن تخسر الحكاية حرارتها لحساب القابلية السريعة للاستهلاك.
لكن المقارنة الحقيقية لا تستقيم بالموضوع وحده؛ بل باللغة السردية والاقتصاد الإنتاجي وإدارة الإيقاع. «شباب البومب» ظاهرة اكتسبت ثقتها من تراكم المواسم وقوة «السكاتش» القصير الممسوك بإيقاع صارم، وذكاء اقتناص لحظات الواقع اليومية. نجاحه لم يكن مصادفة؛ كان رياضة ذكية في التقاط النبض العام بأدوات بسيطة. «بنات البومب» يختبر التحدي نفسه على أرضٍ أكثر حساسية، حيث اللقطة تزن ألف تعليق، والعبارة تُقرأ بميزان مزدوج؛ فنيّ واجتماعي. إنْ حافظ المسلسل على معادلته – خفّة لا تُسقط المعنى، وواقعية لا تُهذّب الوجع – فهو مرشّحٌ لأن يصنع مساره المستقل، لا أن يستعير مجد سابقه.
يبقى السؤال: هل ينافس عملٌ من المنتج ذاته عملَه السابق أم يُكمّله؟
المنتج فيصل العيسى، هنا ليس مقامراً بقدر ما هي رغبة بنّاء عالمٍ واحد بشرفتين؛ الأولى شبابية رسّخت الاسم، والثانية نسائية توسّع الخريطة. الربح الصافي يتحقق حين يتوقّف كل عملٍ عن أكل شقيقه؛ أي عندما يقدّم «بنات البومب» نبرته الخاصة – في الموضوعات والشخصيات والبناء الدرامي – بدلاً من الدوران في فلك «شباب البومب». الخطر الوحيد هو «تعارض العلامة»؛ أن يتشابه الصوتان إلى حدّ التبادل، فتتآكل القيمة بدل أن تتضاعف.
الخلاصة: الطريق مفتوحٌ لـ«بنات البومب» كي ينتزع جزءاً من البساط، لا كله. فإذا نجح في تثبيت هوية متمايزة، انتصر المنتج لنفسه مرتين؛ مرّة بحفظ إرث «شباب البومب»، ومرّة بإطلاق عملٍ يزاحمه بندّيةٍ شريفة، لا بصورةٍ باهتة. الجمهور – كما فعل دائماً – سيحسم النزال.
أخبار ذات صلة


