القاهرة– رغم توجه البنك المركزي المصري نحو سياسة التيسير النقدي (خفض الفائدة) بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، فإن تجارة الفائدة تظل إحدى أهم أوراق الجذب أمام المستثمرين، مدفوعة بالثقة التي عززها نجاح اختبار قابلية تحويل العملات الأجنبية.

وتُعد تجارة الفائدة في مصر من بين الأكثر ربحية في الأسواق الناشئة، ومنذ التعويم الأخير في مارس/آذار 2024، قفزت حيازات الأجانب من أذون الخزانة بفضل الفائدة القياسية التي بلغت 27% على أدوات الدين المحلية.

ومنذ تحرير سعر الصرف، جذبت مصر نحو 38 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، بينها 25 مليار دولار في العام الأول فقط، وفق بيانات البنك المركزي حتى نهاية مارس/آذار 2025.

بين النمو الداخلي والأموال الساخنة

وبينما ينتظر السوق قرارات خفض الفائدة، يتعامل البنك المركزي معها بحذر، خاصة بعد استخدامها كأداة أساسية لجذب الاستثمارات في أدوات الدين المحلية، يترقب المحللون كيف سيتعامل البنك المركزي مع الفائدة: هل سيُعطي الأولوية للنمو الداخلي أم للاستثمار الخارجي؟

وتتراوح توقعات نمو الاقتصاد المصري بين 3.8% و4.8%، إذ يتصدر البنك المركزي التقديرات بنسبة 4.8%، تليه توقعات “ستاندرد تشارترد” بـ4.5%، متجاوزة تقديرات صندوق النقد الدولي عند 4.1%، والبنك الدولي عند 3.8%.

وفي هذا السياق، توقع بنك “ستاندرد تشارتر” أن يواصل البنك المركزي المصري التعامل بحذر مع خفض أسعار الفائدة رغم اتباعه سياسة التيسير النقدي لتحفيز النمو، مشيرا إلى بقاء “تجارة الفائدة” في مقدمة اهتمامات المستثمرين، مع تقدير وصول الفائدة الرئيسية إلى 19.25% بنهاية العام.

وأبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير في يوليو/تموز الماضي، منهيا دورة التيسير النقدي التي شهدت خفضا بإجمالي 325 نقطة أساس في أبريل/نيسان ومايو/أيار، لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات ونصف السنة.

وتبلغ الفائدة حاليا 24% على الإيداع، و25% على الإقراض، و24.5% للعملية الرئيسية والائتمان والخصم.

ما تجارة الفائدة؟

تُعد تجارة الفائدة من أبرز الاستثمارات عالية العائد للمستثمرين الأجانب، إذ يقوم مستثمرو المحافظ بشراء أدوات مالية بعملات منخفضة الفائدة، ثم توجيه هذه الأموال للاستثمار في أدوات بعملات مرتفعة الفائدة، محققين أرباحهم من فارق سعر الفائدة، بشرط استقرار أسعار الصرف.

وبفضل الأزمة المالية، عادت مصر لتصبح واحدة من أفضل أسواق تجارة الفائدة عالميا، لكن الخروج المفاجئ والسريع لهذه الأموال يضع الاقتصاد أمام أخطار جسيمة.

ويتماشى تريث البنك المركزي المصري مع تحذير صندوق النقد الدولي من الإسراع في خفض أسعار الفائدة، في ظل الضبابية العالمية الناتجة عن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية، وفق ما صرّح به جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق.

التضخم يتراجع.. والفائدة تراوح مكانها

وانخفض معدل التضخم السنوي في مصر خلال يوليو/تموز إلى 13.9%، مقارنة بـ38% في سبتمبر/أيلول 2023، مواصلا مسار التراجع، في حين انخفضت معدلات الفائدة بوتيرة أبطأ بكثير.

ورغم الارتباط الوثيق بين معدلات الفائدة والتضخم، يرى البنك المركزي أن توقعات التضخم لا تزال معرضة لمخاطر صعودية، في ظل استمرار ارتفاع أسعار الخدمات والسلع بالتجزئة، إضافة إلى الضغوط التضخمية الناجمة عن عوامل محلية وعالمية.

يؤكد البنك المركزي المصري أن الحفاظ على معدلات الفائدة المرتفعة يظل محورا أساسيا في سياسته النقدية، إذ ترى لجنة السياسة النقدية أن الإبقاء على أسعار العائد عند مستوياتها الحالية ضروري، وفق تقرير السياسة النقدية الفصلي للبنك.

لماذا يعطي المركزي المصري أولوية للفائدة؟

وقال الخبير المصرفي في واشنطن شريف عثمان إن التوفيق بين مواجهة التضخم وخفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو وتشجيع الشركات على الاستثمار وزيادة الإنتاج، يمثل التحدي الأبرز أمام البنوك المركزية، ومن بينها البنك المركزي المصري.

وأضاف -في تصريح للجزيرة نت- أن البنك المركزي استفاد من الفائدة المرتفعة على أدوات الدين الحكومي في جذب الأموال الساخنة، وهو ما ساعد على استقرار سعر الصرف وتحسنه نسبيا، إلى جانب تراجع معدل التضخم الذي كان معظمه مستوردا نتيجة ارتفاع الدولار.

صورة 3 الاحتياطي النقدي جذبت مصر نحو 38 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أذون الخزانة انخفض معدل التضخم السنوي في مصر خلال يوليو/تموز إلى 13.9% بلغ صافي الاحتياطي النقدي 48.14 مليار دولار بنهاية أبريل/نيسان 2025 المصدر: مراسل الجزيرة نت المكان: القاهرة الزمن: 2024-2025

ورأى عثمان أن تخفيض الفائدة حتى الآن لم يكن كافيا للحد من التضخم، لكنه أتاح استمرار تدفق الأموال الساخنة واستقرار العملة، مشددا على أن هذا الوضع لا ينبغي أن يطول، نظرا لأن الفائدة المرتفعة تعرقل النمو الاقتصادي والاستثمار الحقيقي.

وأشار إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد اعتماد البنك المركزي على الاستثمارات الحقيقية، خاصة الخليجية القادمة من قطر والكويت والسعودية والإمارات، باعتبارها بديلا أفضل، لكنه استبعد خفضا كبيرا في الفائدة قريبا، في ظل هشاشة الاستقرار الاقتصادي رغم تحسن بعض المؤشرات.

ما الأموال الساخنة؟

والأموال الساخنة هي أبرز صور الاستثمارات غير المباشرة، حيث تأتي لتشتري أذونا وسندات تخص الديون الحكومية، سعيا وراء سعر فائدة أعلى في سوق ما، دون غيره من الأسواق، لتستفيد من فرق سعر الفائدة.

وعادة ما تتسم بسرعة الدخول والخروج من الأسواق، وهو ما يحدث حالة من الإرباك، وخاصة عند خروجها، لما تحدثه من ضغط على الطلب على النقد الأجنبي.

وتوجد كذلك في سوق الأسهم والسندات التي لا تشترط مددا زمنية لعمليات البيع والشراء، وقد تتسع الدائرة لتشمل وجود الأموال الساخنة في مجال المضاربات التي تتسم بالسرعة مثل الذهب أو النقد الأجنبي، أو بورصات السلع.

الفائدة تثقل كاهل البلاد

ورفع البنك المركزي المصري توقعاته لقيمة خدمة الدين الخارجي في 2026 بنحو 1.34 مليار دولار، لتبلغ 25.97 مليار دولار، مقارنة بتقديرات سابقة عند 24.63 مليار دولار.

في حين قفز الدين الخارجي لمصر إلى 156.7 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من العام المالي مارس/آذار 2025، بزيادة 1.6 مليار دولار خلال 3 أشهر. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل الديون إلى 200 مليار دولار بحلول يونيو/حزيران 2030.

لكن في الوقت ذاته، عزَّز تدفق الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية من ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية، ليصل إلى 49 مليار دولار أميركي في يوليو/تموز 2025.

ضروريات الفائدة المرتفعة

واعتبر خبير الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن فلسفة البنك المركزي المصري تقوم على اجتذاب الأموال الساخنة لسد العجز المزمن في الموازنة الناتج عن خدمة الدين التاريخي، التي تلتهم نحو 80% من إجمالي الإيرادات، مع ارتفاع فوائد الديون بنسبة 33.5% لتبلغ حوالي 36 مليار.

وأضاف -في تصريحاته للجزيرة نت- أن “استمرار ارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بانخفاض معدلات التضخم يعكس حاجة البلاد الماسة لتلك التدفقات، رغم الأزمات التي تسبب فيها خروج الأموال الساخنة عام 2022”. لكنه أشار إلى أن الفارق هذه المرة هو ضخامة حجم التدفقات، مما يجعل أي هزة اقتصادية عالمية أو إقليمية كفيلة بتحويل الأزمة المقبلة إلى كارثة.

وتوقع يوسف أن يقدم البنك المركزي على خفض الفائدة بوتيرة أبطأ وأقل، للحفاظ على زخم تدفقات الأجانب في أدوات الدين، التي وفرت سيولة دورية، ورفعت قيمة الجنيه بشكل محدود، وعززت احتياطي النقد الأجنبي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version