في خطوة تهدف إلى تنظيم قطاع التمويل وتعزيز الشفافية، وجه البنك المركزي السعودي (ساما) مؤخرًا تعميمًا هامًا يتعلق بتحصيل الديون. يمثل هذا التوجيه تغييرًا ملحوظًا في الإجراءات المتبعة، ويهدف إلى تسهيل العمل على شركات التمويل مع الحفاظ على حقوق المقترضين. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا التعميم، والتعديلات الجديدة في اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل، والمتطلبات الجديدة لرأس المال لشركات التمويل المختلفة، مع التركيز على تأثير هذه التغييرات على سوق تحصيل الديون في المملكة العربية السعودية.
إلغاء ترخيص تحصيل الديون: خطوة نحو تبسيط الإجراءات
أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) عن إلغاء شرط الحصول على ترخيص خاص لمزاولة نشاط تحصيل الديون من قبل جهات التمويل. هذا الإجراء يمثل تبسيطًا كبيرًا للإجراءات التنظيمية، ويقلل من الأعباء الإدارية والمالية على شركات التمويل. التعميم الصادر يشمل جميع (البنوك والمصارف، وشركات التمويل العاملة في المملكة، ومنشآت تحصيل ديون جهات التمويل المرخصة من البنك المركزي).
بدلًا من ذلك، أكد البنك المركزي على ضرورة التزام المنشآت المعنية بتحديث نشاطها في السجلات التجارية وفقًا للأحكام النظامية ذات الصلة. هذا يعني أن الشركات التي كانت قد حصلت على ترخيص سابق أو حصلت على موافقة أولية يجب عليها الآن التأكد من أن سجلاتها التجارية تعكس بدقة نشاطها الحالي في مجال تحصيل الديون.
تعديلات اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل
لم يقتصر التغيير على إلغاء الترخيص فحسب، بل امتد ليشمل تعديلات جوهرية في اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل وقواعد الترخيص للنشاطات المساندة. تهدف هذه التعديلات إلى تعزيز الرقابة على شركات التمويل، وضمان حماية حقوق المستهلكين، وتشجيع المنافسة العادلة في السوق.
متطلبات رأس المال لشركات التمويل
أحد أبرز هذه التعديلات يتعلق بمتطلبات رأس المال لشركات التمويل المختلفة. وفقًا للائحة الجديدة، يجب أن يكون الحد الأدنى لرأس المال المدفوع لشركات التمويل الاستهلاكي المصغر 20 مليون ريال سعودي.
أما الشركات التي تقدم خدمات التمويل من خلال التقنية المالية (FinTech) فقط، دون غيرها من الأنشطة التمويلية، فيشترط أن يكون الحد الأدنى لرأس مالها المدفوع 10 ملايين ريال سعودي. هذه المتطلبات تهدف إلى ضمان قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها المالية، وحماية أموال المقترضين.
نطاق عمل شركات التمويل الاستهلاكي
تم تحديد نطاق عمل شركات التمويل الاستهلاكي بشكل واضح في اللائحة التنفيذية الجديدة. يقتصر عمل هذه الشركات على تقديم التمويل لغرض محدد وهو “شراء سلع وخدمات بغرض الاستهلاك”، مثل الأثاث، والسلع الاستهلاكية، والأغراض المنزلية، وتمويل التعليم.
بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا يكون الغرض من التمويل مرتبطًا بأي أنشطة تجارية أو مهنية للمستفيد. ويستثنى من نطاق التمويل الاستهلاكي المصغر تمويل شراء المركبات. كما تم تحديد حد أقصى لمبلغ التمويل الممنوح للمستفيد الواحد من شركة التمويل المصغر، وهو 60 ألف ريال سعودي.
التمويل عبر التقنية المالية: خيارات محدودة
بالنسبة لشركات التمويل التي تعتمد على التقنية المالية في تقديم خدماتها، فقد تم تحديد سقف أقصى لمبلغ التمويل الذي يمكنهم تقديمه، وهو 30 ألف ريال سعودي. هذا التحديد يهدف إلى إدارة المخاطر المرتبطة بالتمويل عبر الإنترنت، وضمان عدم تعرض المقترضين لمبالغ كبيرة من الديون.
رسوم الترخيص والتجديد
تم تحديد الرسوم المالية المتعلقة بإصدار وتجديد تراخيص نشاط التمويل الاستهلاكي المصغر. تبلغ الرسوم 20 ألف ريال سعودي لإصدار الترخيص أو تعديله أو تجديده. أما بالنسبة للشركات التي تقدم التمويل من خلال التقنية المالية، فتبلغ الرسوم 10 آلاف ريال سعودي. تعتبر هذه الرسوم جزءًا من جهود البنك المركزي لتمويل عمليات الرقابة والتنظيم على قطاع التمويل.
تأثير التغييرات على سوق التمويل
من المتوقع أن يكون لهذه التغييرات تأثير إيجابي على سوق التمويل في المملكة العربية السعودية. فمن خلال تبسيط إجراءات تحصيل الديون وتحديد متطلبات رأس المال بشكل واضح، سيتم تشجيع المزيد من الشركات على دخول السوق، مما يزيد من المنافسة ويحسن من جودة الخدمات المقدمة للمستهلكين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز على حماية حقوق المقترضين وتعزيز الشفافية سيساهم في بناء الثقة في قطاع التمويل، وتشجيع الأفراد على الاستفادة من الخدمات التمويلية المتاحة. ومع ذلك، يجب على شركات التمويل الالتزام الكامل باللوائح الجديدة، وتحديث سجلاتها التجارية، والتأكد من أنها تفي بمتطلبات رأس المال المحددة، لتجنب أي عقوبات أو إجراءات قانونية.
في الختام، يمثل التعميم الصادر عن البنك المركزي السعودي (ساما) بشأن تحصيل الديون وتعديلات اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل خطوة مهمة نحو تنظيم وتطوير قطاع التمويل في المملكة. من خلال تبسيط الإجراءات، وتعزيز الرقابة، وحماية حقوق المستهلكين، يهدف البنك المركزي إلى بناء سوق تمويل أكثر شفافية وكفاءة واستدامة. ندعو جميع المهتمين إلى الاطلاع على اللائحة التنفيذية الجديدة والتعرف على تفاصيلها، لضمان الامتثال الكامل والاستفادة من الفرص المتاحة في هذا القطاع الحيوي.


