في تصعيد لافت لأزمة النفط في فنزويلا، وجهت الصين انتقادات حادة إلى الولايات المتحدة على خلفية احتجازها ناقلات نفط فنزويلية في المياه الدولية، معتبرة ذلك انتهاكًا للقانون الدولي واعتداءً على حرية الملاحة. هذا التطور يضع بكين في موقف معقد، حيث تعتمد بشكل كبير على إمدادات النفط الفنزويلي، وتخشى من تداعيات الحصار الأمريكي المتزايد على هذا المصدر الحيوي. وتأتي هذه الانتقادات في وقت تشدد فيه واشنطن حصارها النفطي على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، مهددة بتصعيد إضافي قد يشمل تغيير النظام بالقوة.
أزمة النفط الفنزويلي وتداعياتها على الصين
تعتبر أزمة النفط الفنزويلية، المتفاقمة بسبب العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة، قضية ذات أهمية استراتيجية للصين. فبينما تسعى واشنطن إلى عزل مادورو، تحافظ بكين على علاقات اقتصادية قوية مع فنزويلا، وتعتبر نفسها طرفًا محايدًا يسعى إلى حل الأزمة سلميًا. احتجاز ناقلات النفط الفنزويلية يمثل تصعيدًا خطيرًا، ويثير مخاوف بشأن استقرار إمدادات الطاقة للصين، ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم.
حجم واردات الصين من النفط الفنزويلي
تُعد الصين أكبر مستورد للنفط الفنزويلي في العالم، حيث تجاوزت وارداتها 600 ألف برميل يوميًا خلال شهر ديسمبر 2025. يمثل هذا الرقم حوالي 4% من إجمالي واردات الصين من النفط الخام، وهو ما يجعل فنزويلا شريكًا تجاريًا مهمًا، وإن لم يكن المصدر الرئيسي، للطاقة في الصين. في عام 2024، بلغت واردات الصين من فنزويلا نحو 1.6 مليار دولار، وشكل النفط ومشتقاته حوالي 1.05 مليار دولار من هذا المبلغ، وفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية (COMTRADE). هذه الأرقام تؤكد على الأهمية المتزايدة للنفط الفنزويلي في تلبية احتياجات الصين المتزايدة من الطاقة.
تأثير العقوبات على التجارة النفطية بين الصين وفنزويلا
على الرغم من العقوبات الأمريكية، استمرت الصين في استيراد النفط الفنزويلي، وإن كان ذلك بكميات متقلبة وأسعار مخفضة. تعتمد الشركات الصينية بشكل متزايد على عمليات الشراء المباشرة من شركة النفط الحكومية الفنزويلية (PDVSA)، وتجنب التعامل مع الشركات الوسيطة المعرضة للعقوبات. هذا التحول في طرق التجارة يعكس قدرة الصين على التكيف مع البيئة العقابية، ولكنه يزيد أيضًا من المخاطر المرتبطة بالتعامل مع فنزويلا.
أثر الأزمة على قطاع الطاقة الصيني
على المدى القصير، قد يكون تأثير احتجاز ناقلات النفط محدودًا على السوق الصينية، وذلك بفضل وفرة المخزونات وضعف الطلب المحلي. ومع ذلك، فإن هذا لا يلغي المخاوف بشأن استدامة الإمدادات على المدى الطويل. يرى تجار ومحللون أن الشحنات المتجهة إلى الصين قبل الاحتجاز، بالإضافة إلى المخزونات الحالية، ستساعد في تخفيف الضغط على السوق. لكنهم يحذرون من أن الأثر الفعلي قد يبدأ في الظهور اعتبارًا من فبراير 2026، خاصة إذا استمرت الولايات المتحدة في تشديد حصارها.
هل تستطيع الصين تعويض النقص في النفط الفنزويلي؟
نعم، يبدو أن الصين قادرة على تعويض أي نقص محتمل في الإمدادات الفنزويلية، وذلك بفضل تنوع مصادرها. تعتمد الصين بشكل رئيسي على روسيا والسعودية لتلبية احتياجاتها من الخام، بالإضافة إلى العراق وعُمان وماليزيا. في عام 2024، ارتفعت واردات الصين من روسيا للعام الثالث على التوالي، لتصل إلى متوسط 2.2 مليون برميل يوميًا. كما أن واردات الصين من السعودية لا تزال كبيرة، على الرغم من تراجعها للعام الثالث على التوالي. هذا التنوع في المصادر يمنح الصين مرونة كبيرة في التعامل مع أي اضطرابات في الإمدادات من فنزويلا أو أي دولة أخرى.
دور شركة شيفرون في معادلة النفط الفنزويلي
لعبت شركة شيفرون الأمريكية دورًا محوريًا في تعافي إنتاج النفط الفنزويلي بعد سنوات من التراجع الحاد. في عام 2022، منحت وزارة الخزانة الأمريكية شيفرون ترخيصًا خاصًا لاستئناف تصدير النفط من مشاريعها المشتركة في فنزويلا، وذلك في إطار جهود لتخفيف أزمة الطاقة العالمية. في أكتوبر 2025، جددت الشركة الترخيص، مما سمح لها بمواصلة الإنتاج والتصدير. تشير التقديرات إلى أن شيفرون تمثل الآن حوالي ربع إجمالي إنتاج النفط في فنزويلا، مما يجعلها شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في قطاع الطاقة الفنزويلي. هذا الدور المتزايد لشيفرون له تأثير مباشر على قدرة فنزويلا على تلبية احتياجات الصين من النفط الخام.
من المستفيد الأكبر من أزمة النفط الفنزويلية؟
من الصعب تحديد مستفيد واحد واضح من أزمة النفط الفنزويلية. قد تستفيد بعض الدول الأخرى المنتجة للنفط، مثل روسيا والسعودية، من زيادة الطلب على نفطها في حالة استمرار تراجع الإمدادات الفنزويلية. كما أن الشركات النفطية الأمريكية، وعلى رأسها شيفرون، قد تستفيد من زيادة حصتها في السوق الفنزويلية. ومع ذلك، فإن الأزمة في مجملها تضر بالاقتصاد العالمي، وتزيد من حالة عدم اليقين في سوق الطاقة.
الخلاصة
تظل أزمة النفط الفنزويلية قضية معقدة ذات تداعيات جيوسياسية واقتصادية واسعة النطاق. بالنسبة للصين، تمثل الأزمة تحديًا وفرصة في آن واحد. فمن ناحية، يجب على بكين أن تحمي إمداداتها من النفط الفنزويلي، وأن تتكيف مع البيئة العقابية التي تفرضها الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، يمكن للصين أن تستفيد من النفط الرخيص نسبيًا الذي تحصل عليه من فنزويلا، وأن تعزز علاقاتها الاقتصادية مع هذا البلد. في النهاية، فإن مستقبل أزمة النفط الفنزويلية سيعتمد على التطورات السياسية في فنزويلا، وعلى سياسات الولايات المتحدة، وعلى قدرة الصين على التكيف مع هذه التطورات. لمزيد من التحليل حول أزمة الطاقة العالمية، يمكنكم زيارة موقع متخصص في الطاقة (رابط افتراضي).


