في خضم التطورات الاقتصادية المتسارعة، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلاً واسعاً بتصريحاته الأخيرة حول معاييره لاختيار رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي. فقد أكد ترامب أنه سيختار شخصاً يتبنى رؤيته حول سعر الفائدة، والتي ترتكز على تخفيضه في حال استقرار الأوضاع الاقتصادية. هذه التصريحات، التي جاءت عبر منصته “تروث سوشيال”، تعكس خلافات عميقة مع السياسات الحالية وتثير تساؤلات حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية. التركيز على السياسة النقدية و تأثيرها على الأسواق هو جوهر هذه المناقشات.
ترامب يضع “قاعدة” جديدة لاختيار رئيس الاحتياطي الفدرالي
أعلن ترامب صراحةً أن أي مرشح لا يتفق مع نهجه في التعامل مع سعر الفائدة لن يحظى بفرصة لقيادة البنك المركزي الأمريكي. جاء هذا الإعلان بعد تقرير أظهر نمواً اقتصادياً أمريكياً قوياً في الربع الثالث من العام الحالي، حيث بلغ 4.2%، متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى 2.5%. واعتبر ترامب هذا النمو بمثابة دليل على نجاح أجندته الاقتصادية، مؤكداً على ضرورة أن يعكس رئيس الاحتياطي الفدرالي هذا النجاح في سياساته.
انتقادات لاذعة لجيروم باول
لم يخف ترامب انتقاداته لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الحالي، جيروم باول، الذي وصفه بـ “العنيد” و “المتأخر جداً” في اتخاذ قرار خفض سعر الفائدة. على الرغم من أن ترامب نفسه هو من اختار باول لهذا المنصب في بداية فترة رئاسته الأولى، إلا أن الخلافات بينهما تصاعدت بشكل ملحوظ حول وتيرة خفض أسعار الفائدة. ويرى ترامب أن باول كان “حذراً” في هذا الصدد، متأثراً بـ “عدم اليقين” بشأن تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها على الاقتصاد الأمريكي.
“قاعدة ترامب” للسياسة النقدية: تشجيع الأسواق أم مكافحة التضخم؟
وصف ترامب رؤيته للسياسة النقدية بـ “قاعدة ترامب”، والتي تقوم على مبدأ بسيط: يجب على الاحتياطي الفدرالي خفض سعر الفائدة إذا كانت الأسواق في وضع جيد. ويعتقد أن رفع سعر الفائدة للحد من التضخم، على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، هو إجراء مدمر للاقتصاد. ويرى أن الأسواق يجب أن “تتحرك صعوداً مع الأخبار الجيدة وهبوطاً مع الأخبار السيئة”، معتبراً أن التضخم سيتم التعامل معه تلقائياً.
تأثير التصريحات على الأسواق
أشار ترامب إلى أن الأسواق كانت تتجه للارتفاع في السابق عندما تأتي أخبار اقتصادية جيدة، لكنها الآن تتجه للانخفاض بسبب توقعات ارتفاع سعر الفائدة تحسباً للتضخم المحتمل. ويؤكد على أن الرئيس المقبل للاحتياطي الفدرالي يجب أن يكون قادراً على “تشجيع الأسواق” من خلال تبني سياسة نقدية أكثر مرونة. هذا التركيز على معنويات السوق يمثل تحولاً كبيراً عن الأساليب التقليدية للسياسة النقدية.
أبرز المرشحين لرئاسة الاحتياطي الفدرالي في ظل رؤية ترامب
مع اقتراب نهاية فترة ولاية جيروم باول في مايو/أيار المقبل، بدأت تظهر أسماء مرشحة لقيادة البنك المركزي الأمريكي. ومن بين أبرز هذه الأسماء:
- كيفين هاسيت: اقتصادي محافظ شغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، ويرأس حالياً المجلس الاقتصادي القومي. يعتبر هاسيت من المقربين لترامب ومن المرجح أن يتبنى رؤيته حول سعر الفائدة.
- كيفين وارش: شغل منصب رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي في الفترة من 2006 إلى 2011. يتمتع وارش بخبرة واسعة في مجال السياسة النقدية، لكن موقفه من سعر الفائدة قد يكون محور نقاش.
- كريستوفر والر: العضو الحالي في مجلس الاحتياطي الفدرالي، والذي رشحه ترامب لهذا المنصب خلال فترة رئاسته الأولى. يعتبر والر من الشخصيات الموثوقة لدى ترامب، ومن المتوقع أن يكون لديه موقف إيجابي تجاه رؤيته.
مستقبل السياسة النقدية الأمريكية: بين النمو والتضخم
تثير تصريحات ترامب الأخيرة تساؤلات حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية. فهل ستعود البلاد إلى سياسة سعر الفائدة المنخفضة التي كانت سائدة خلال فترة رئاسته، أم ستستمر في اتباع نهج أكثر حذراً للحد من التضخم؟ يعتمد الجواب على العديد من العوامل، بما في ذلك التطورات الاقتصادية العالمية، والنتائج الانتخابية القادمة، وقدرة المرشحين لرئاسة الاحتياطي الفدرالي على إقناع الكونجرس بتبني رؤيتهم. النقاش حول الاستقرار الاقتصادي و كيفية تحقيقه سيظل محوراً أساسياً في هذا السياق.
في الختام، يمثل موقف ترامب من سعر الفائدة نقطة تحول محتملة في السياسة النقدية الأمريكية. من خلال وضع “قاعدة” جديدة لاختيار رئيس الاحتياطي الفدرالي، يسعى ترامب إلى ضمان أن يكون البنك المركزي الأمريكي متوافقاً مع رؤيته الاقتصادية، والتي تركز على النمو وتشجيع الأسواق. ومع ذلك، فإن هذا النهج قد يتعارض مع الأهداف التقليدية للسياسة النقدية، مثل الحفاظ على استقرار الأسعار والحد من التضخم. من الضروري متابعة هذه التطورات عن كثب لفهم تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
