تعتبر صحة الدماغ من أهم جوانب الصحة العامة، وهي تتأثر بشكل كبير بنمط الحياة والعوامل الفيزيولوجية. أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة واشنطن في سانت لويس، نتائج مثيرة للاهتمام تربط بين كتلة العضلات، والدهون الحشوية، وعمر الدماغ. هذه النتائج تلقي الضوء على أهمية التركيز على تكوين العضلات وتقليل الدهون المتراكمة حول الأعضاء الداخلية للحفاظ على صحة الدماغ على المدى الطويل.

العلاقة بين العضلات والدهون الحشوية وصحة الدماغ

كشفت الدراسة، التي ستُعرض نتائجها في الاجتماع السنوي للجمعية الإشعاعية لأميركا الشمالية، عن وجود ارتباط قوي بين ارتفاع نسبة العضلات وانخفاض نسبة الدهون الحشوية وبين صحة الدماغ. بمعنى آخر، الأفراد الذين يتمتعون بكتلة عضلية أكبر ونسبة دهون أقل حول البطن يميلون إلى امتلاك أدمغة تبدو أصغر سناً من الناحية الهيكلية.

على النقيض من ذلك، أظهرت الدراسة أن ارتفاع نسبة الدهون الحشوية مقارنة بالعضلات يرتبط بزيادة “عمر الدماغ”، مما يشير إلى تسارع عملية الشيخوخة في الدماغ. من الجدير بالذكر أن الدهون تحت الجلد لم تظهر أي ارتباط يذكر بعمر الدماغ، مما يؤكد على أهمية الدهون الحشوية بشكل خاص.

ما هو “عمر الدماغ”؟

“عمر الدماغ” ليس العمر الزمني للشخص، بل هو تقدير لحالة الدماغ الهيكلية بناءً على فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي. يساعد هذا التقدير الأطباء والباحثين على فهم مدى تقدم عملية الشيخوخة في الدماغ، وهو ما يمكن أن يكون مؤشراً مبكراً على خطر الإصابة بأمراض الدماغ في المستقبل.

تفاصيل الدراسة ومنهجيتها

شملت الدراسة فحص 1164 فرداً سليماً من 4 مواقع مختلفة في الولايات المتحدة، باستخدام تقنية تصوير الجسم بالكامل بالرنين المغناطيسي. استخدم الباحثون خوارزمية ذكاء اصطناعي متطورة لقياس عدة عوامل رئيسية، بما في ذلك:

  • إجمالي حجم العضلات.
  • كمية الدهون الحشوية (الدهون المتراكمة حول الأعضاء الداخلية).
  • كمية الدهون تحت الجلد.
  • تقدير “عمر الدماغ” بناءً على التصوير بالرنين المغناطيسي.

الدكتور سايروس راجي، الأستاذ المشارك في قسم الأشعة بمعهد مالينكرودت للأشعة بجامعة واشنطن في سانت لويس، أكد أن الأجسام الأكثر صحة، التي تتميز بكتلة عضلية أكبر ودهون بطن أقل، من المرجح أن تتمتع بأدمغة أكثر صحة وشباباً.

الآثار المترتبة على العلاجات المستقبلية

تثير نتائج هذه الدراسة تساؤلات مهمة حول العلاجات المستقبلية المحتملة للحفاظ على صحة الدماغ وتعزيز طول العمر. على الرغم من أن أدوية إنقاص الوزن التي تحتوي على ببتيد شبيه الجلوكاغون-1 (GLP-1)، مثل أوزمبيك، فعالة في تقليل الدهون، إلا أنها قد تؤدي أيضاً إلى فقدان العضلات.

يشير الدكتور راجي إلى أن التركيز يجب أن يكون على تطوير علاجات تستهدف الدهون الحشوية بشكل خاص، مع تقليل فقدان العضلات قدر الإمكان. فالحفاظ على كتلة العضلات، بالإضافة إلى تقليل الدهون الحشوية، يبدو أنه المفتاح للحفاظ على صحة الدماغ وتقليل خطر الإصابة بأمراض مثل مرض ألزهايمر.

أهمية الدهون الحشوية

تعتبر الدهون الحشوية أكثر خطورة من الدهون تحت الجلد، لأنها تتراكم حول الأعضاء الداخلية الحيوية مثل الكبد والقلب، وتطلق مواد كيميائية ضارة يمكن أن تؤدي إلى الالتهابات وأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على الدماغ. لذلك، فإن تقليل هذه الدهون يعتبر هدفاً صحياً رئيسياً.

كيف يمكننا تحسين صحة الدماغ من خلال نمط الحياة؟

بناءً على نتائج هذه الدراسة، يمكننا استخلاص بعض التوصيات العملية لتحسين صحة الدماغ من خلال نمط الحياة:

  • ممارسة الرياضة بانتظام: خاصة تمارين القوة التي تساعد على بناء العضلات.
  • اتباع نظام غذائي صحي: غني بالبروتين والألياف والدهون الصحية، وقليل السكريات والدهون المشبعة.
  • الحفاظ على وزن صحي: مع التركيز على تقليل الدهون الحشوية.
  • الحصول على قسط كاف من النوم: لتحسين وظائف الدماغ وتعزيز عملية التعافي.
  • إدارة الإجهاد: من خلال تقنيات الاسترخاء والتأمل.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم إجراء فحوصات طبية منتظمة لمراقبة صحة الدماغ والكشف المبكر عن أي مشاكل محتملة. فالوقاية خير من العلاج، والاستثمار في صحة الدماغ اليوم هو استثمار في مستقبل صحي وسعيد.

الخلاصة

تؤكد هذه الدراسة على العلاقة الوثيقة بين الصحة الجسدية وصحة الدماغ. إن الحفاظ على كتلة عضلية جيدة وتقليل الدهون الحشوية ليس مجرد هدف جمالي، بل هو استراتيجية فعالة للحفاظ على شباب الدماغ وتقليل خطر الإصابة بأمراضه. من خلال تبني نمط حياة صحي ومتوازن، يمكننا جميعاً المساهمة في تعزيز صحة أدمغتنا والاستمتاع بحياة أطول وأكثر إشراقاً. نتمنى أن تكون هذه المعلومات قد ألهمتك لاتخاذ خطوات إيجابية نحو تحسين صحتك العامة وصحة دماغك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version