تُواجه شركة نستله العالمية عاصفة من الانتقادات المتجددة، حيث تتهمها تقارير حقوقية حديثة باستغلال الأسواق الناشئة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من خلال تسويق منتجات غذائية للأطفال لا تلتزم بالمعايير الصحية العالمية. هذه الاتهامات ليست جديدة، بل تعيد إلى الأذهان جدلاً طويلاً الأمد حول ممارسات الشركة وتأثيرها على صحة الرضع، وتحديداً فيما يتعلق بتسويق بدائل حليب الأم. يركز هذا المقال على تفاصيل هذه الاتهامات، وتداعياتها المحتملة، وجهود منظمات المجتمع المدني، وردود فعل شركة نستله.
تاريخ من الجدل: ممارسات نستله وتسويق حليب الأطفال
منذ سبعينيات القرن الماضي، ارتبط اسم “نستله” بجدل واسع النطاق حول تسويق حليب الأطفال في الدول النامية. اتهمت منظمات حقوقية الشركة بتشجيع الأمهات على التخلي عن الرضاعة الطبيعية لصالح منتجاتها الصناعية، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية والأمراض بين الرضع في بيئات تفتقر إلى مياه نظيفة ورعاية صحية كافية. الرضاعة الطبيعية هي الأساس الأمثل لنمو الرضيع، وأي بديل يجب أن يكون خاضعاً لرقابة صارمة.
الاتهامات الجديدة: منتجات غير صحية تستهدف الأسواق الفقيرة
التقرير الأخير الذي أثار هذه الموجة الجديدة من الانتقادات يركز على منتجات غذائية أخرى للأطفال، وليس فقط حليب الأطفال. يشير التقرير إلى أن الشركة تروج لمنتجات تحتوي على نسب مرتفعة من السكر والملح، مما يعرض الأطفال لمخاطر صحية مبكرة مثل السمنة وأمراض القلب.
استهداف الأسواق ذات الرقابة الضعيفة
تتركز الاتهامات أيضاً على استهداف الأسواق الفقيرة حيث الرقابة ضعيفة، مما يتيح للشركة تسويق منتجاتها دون الالتزام الصارم بالمعايير الدولية. هذا الاستغلال للثغرات التشريعية يثير تساؤلات حول مسؤولية الشركات متعددة الجنسيات تجاه المستهلكين في الدول النامية. نستله، بحسب المنتقدين، تضع الربح فوق صحة الأطفال.
ردود الفعل: دعوات للتحقيق والقيود الصارمة
طالبت منظمات المجتمع المدني بفرض قيود أكثر صرامة على إعلانات منتجات الأطفال، وبإجراء تحقيقات دولية شاملة لتقييم مدى التزام نستله بالقوانين الصحية. هناك دعوات لفرض عقوبات على الشركة في حال ثبوت التهم الموجهة إليها.
من جانبها، نفت نستله هذه الاتهامات بشدة، مؤكدة أنها تلتزم بالقوانين المحلية والدولية، وأن منتجاتها تخضع لاختبارات جودة صارمة. تؤكد الشركة على التزامها بتقديم منتجات آمنة وصحية للأطفال في جميع أنحاء العالم.
الرضاعة الطبيعية: الخيار الأمثل وصحة الطفل
يؤكد خبراء الصحة العامة على أن الرضاعة الطبيعية تظل الخيار الأكثر أماناً وصحة للرضّع، وأن أي بدائل صناعية يجب أن تخضع لمعايير دقيقة ومراقبة صارمة. الرضاعة الطبيعية لا توفر التغذية المثالية فحسب، بل تعزز أيضاً المناعة وتحمي الرضيع من العديد من الأمراض. صحة الطفل هي الأولوية القصوى، ويجب أن تكون قرارات الشركات مبنية على هذا الأساس.
التداعيات المحتملة: تحقيقات دولية ومسؤولية الشركات
قد تفتح هذه القضية الباب أمام تحقيقات دولية وربما دعاوى قضائية ضد الشركة. كما أنها تعيد إلى الواجهة النقاش بشأن مسؤولية الشركات متعددة الجنسيات في حماية المستهلكين في الأسواق الهشة. من المتوقع أن تضغط منظمات حقوقية على الحكومات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لتشديد الرقابة على منتجات الأطفال المستوردة، مما يضمن حماية الفئات الأكثر ضعفاً.
مستقبل النقاش: بين مصالح الشركات وحقوق المستهلكين
يعكس الجدل الدائر حول نستله معركة أوسع بين مصالح الشركات الكبرى وحقوق المستهلكين في الدول النامية. بينما تؤكد الشركة التزامها بالقوانين، يرى منتقدوها أن صحة الأطفال يجب ألا تكون مجالاً للمساومة التجارية. الرقابة الدولية باتت ضرورة ملحة لضمان سلامة الأجيال المقبلة.
في الختام، تظل قضية ممارسات نستله في الأسواق الناشئة قضية معقدة تتطلب تحقيقاً شفافاً ومستقلاً. يجب على الشركات متعددة الجنسيات أن تتحمل مسؤوليتها تجاه المستهلكين، وأن تضع صحة الأطفال في صدارة أولوياتها. ندعو القراء إلى متابعة هذا الموضوع والتعبير عن آرائهم والمشاركة في الضغط من أجل تحقيق العدالة وحماية صحة أطفالنا. يمكنكم مشاركة هذا المقال على وسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في نشر الوعي حول هذه القضية الهامة.


