يبدو إضعاف سوريا الجديدة هدفا أميركيا إسرائيليا مشتركا، لكن الخلاف حاليا على طريقة تحقيق هذا الهدف، حيث تريد واشنطن بناء بلد مرهون بالدعم الخارجي طيلة الوقت بينما إسرائيل تسعى إلى أن تصبح سوريا بلدا مفككا على أسس طائفية ومذهبية.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ضرورة دعم استقرار حكومة دمشق ومساعدتها في بناء نهضة البلاد، يعمل (رئيس الحكومة الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– بدأب على تفكيك سوريا اعتمادا على ما فيها من أقليات، وخصوصا الدروز.

فقد اتخذت إسرائيل من حماية الدروز ذريعة لتدخلها العسكري ورفضها أي وجود أمني لحكومة لدمشق جنوب البلاد كله، لكن وكالة “أسوشيتد برس” نقلت عن المبعوث الأميركي توم براك أن إسرائيل “تفضل سوريا مجزأة على دولة مركزية قوية تسيطر على البلاد”.

ولا تعكس هذه المسافة -في الموقفين الأميركي والإسرائيلي- خلافا على شكل سوريا المستقبلية وإنما على طريقة الوصول إليه، بحيث تظل دمشق سائرة في ركب الرؤية طويلة الأمد التي تهدف لتطويع المنطقة كلها بيد إسرائيل.

تفكيك المنطقة كلها

فرؤية الأميركيين، والجمهوريين تحديدا، لا تقف عند حد إضعاف سوريا -التي يمثل نهوضها خطرا على إسرائيل- لكنها تمتد إلى إضعاف كافة دول المنطقة، كما يقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي.

ومن هذا المنطلق، فإن الخلاف الأميركي الإسرائيلي في سوريا يتلخص في تعامل واشنطن مع مشكلة السويداء كأزمة طارئة تتطلب حلا عاجلا، بينما تتعامل معها إسرائيل كمسألة استراتيجية.

وحسب ما قاله الشوبكي خلال مشاركته في برنامج “ما وراء الخبر” فقد حاول نتنياهو تقرير مستقبل قطاع غزة منفردا استنادا لوثيقة أميركية قديمة صدرت في التسعينيات وتعطي إسرائيل حرية التصرف بالمنطقة. ولتعويض هذا الفشل، حاول تحقيق نجاح في سوريا، عبر بناء جسور مع الأقليات.

وعلى هذا، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان على إضعاف سوريا، لكنهما تختلفان في الطريقة، ففي حين يسعى نتنياهو لتفكيكها جغرافيا، يحاول ترامب رهن استقرارها السياسي والاقتصادي بالدعم الخارجي حتى يجبرها على السير في خططه المستقبلية للمنطقة.

ويتفق الباحث السياسي السوري ياسر النجار مع الطرح السابق، لكنه يعتقد أن إدارة ترامب سمحت لإسرائيل بالتحرك مع الدروز الملاصقين للجولان السوري المحتل بينما لم تسمح لها بأي عمل في المناطق التي توجد بها واشنطن بشكل مباشر كما هي الحال مع الأكراد في الشمال.

كما تحاول واشنطن ضم دمشق لقطار التطبيع، بينما تريد إسرائيل إلزامها بعدم الوجد الأمني والعسكري في الجنوب السوري كله وليس بمنطقة فض الاشتباك فقط، فضلا عن تنازلها رسميا عن الجولان المحتل.

وكانت إسرائيل قد خرقت حدود فض للاشتباك كان منصوصا عليها باتفاقية 1974، فور سقوط نظام بشار الأسد، وتوغلت فيما بعد الجولان المحتل إلى قلب الجنوب السوري.

لكن الحكومة السورية الجديدة لا يمكنها التنازل عن الجنوب ولا حتى عن الجولان المحتل، فضلا عن أنها لن تتمكن من توقيع اتفاقية تطبيع دون وجود مجلس تشريعي يقر هذه الاتفاقية، كما يقول النجار.

لذلك، فإن الموقف الأميركي الإسرائيلي في سوريا يبدو تكامليا أكثر من كونه متباينا لأن الولايات المتحدة تمارس الدبلوماسية وتترك لإسرائيل ممارسة الفعل العسكري لإخضاع حكومة دمشق التي يبدو أنها أبدت خالفت توقعات ترامب ونتنياهو منها.

ولعل هذه الترتيبات التي كان متوقعا الإعلان عنها خلال زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، وهو ما لم يحدث، هي التي جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي يرجع بضوء أخضر للتحرك عسكريا في سوريا، برأي الشوبكي.

وقف عربدة نتنياهو

ورغم هذا الضوء الأخضر، فقد تدخلت واشنطن سريعا لوقف عربدة نتنياهو الذي تصرف بشكل جنوني في سوريا، على حد وصف مسؤولين أميركيين لموقع “أكسيوس” الإخباري.

غير أن هذا التدخل الأميركي لكبح جماح إسرائيل لن يتجاوز نقطة الضغوط الدبلوماسية لما هو أبعد من ذلك، برأي كبير الباحثين بالمجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز الذي يعتقد أن ترامب يريد إنهاء هذه الاضطرابات سلميا حتى يتمكن من تحقيق الازدهار الاقتصادي الذي يريده بالمنطقة.

ولمنع تكرار التدخلات الإسرائيلية، سيكون على الحكومة السورية الوقوف على مسافة واحدة من كل الأقليات، والتعامل بحياد لفض أي نزاع، حتى لا تتعرض للمحاسبة، كما يقول روبنز.

ولا يريد ترامب أن يكون الجولان المحتل عائقا أمام تحسين العلاقات السورية مع إسرائيل، بينما تبدي الأخيرة تمسكا بالبقاء فيه وفرض سيادة عليه وتريد من دمشق الاعتراف بهذه السيادة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version