في ظل تصاعد التحديات الأمنية التي تواجهها، أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر عن تعبئة عامة لمواجهة الجماعات المسلحة التي تنشط في البلاد منذ سنوات. يأتي هذا الإعلان بعد اجتماع لمجلس الوزراء، ويشكل تصعيدًا كبيرًا في جهود الحكومة لمواجهة التمرد المستمر وحماية أمنها القومي. هذه الخطوة، وإن كانت ضرورية، تثير تساؤلات حول تأثيرها على الحياة المدنية والاقتصاد في النيجر، خاصة مع استمرار الضغوط الإقليمية والدولية على المجلس العسكري.
أسباب التعبئة العامة في النيجر
القرار بتفعيل التعبئة العامة لم يكن مفاجئًا، بل جاء نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية المتسارع في النيجر. فقد شهدت البلاد، منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا محمد بازوم في يوليو 2023، زيادة ملحوظة في الهجمات التي تشنها الجماعات الإسلامية المسلحة على عدة جبهات.
وتشير البيانات إلى أن هذه الهجمات تسببت في مقتل ما يقرب من ألفي شخص منذ بداية العام الحالي، وفقًا لمنظمة مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه مناطق جنوب شرق البلاد تهديدات مستمرة من جماعة بوكو حرام وتنظيم ولاية غرب أفريقيا.
البيان الصادر عن حكومة النيجر أكد أن التعبئة تهدف إلى “الحفاظ على سلامة الأراضي الوطنية وحماية السكان ومؤسسات الدولة ومصالحها الحيوية من أي تهديد داخلي أو خارجي”. ويسمح القانون للجيش بتسخير الأفراد والممتلكات والخدمات للمساهمة في الدفاع عن الوطن، وهو ما قد يشمل توفير الدعم اللوجستي أو حتى المشاركة المباشرة في العمليات الأمنية.
خطوات سابقة وتصعيد الجهود العسكرية
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها النيجر خطوات لتعزيز قدراتها العسكرية. ففي عام 2019، ضاعفت البلاد حجم جيشها ليصل إلى 50 ألف جندي، كما رفعت سن التقاعد للضباط من 47 إلى 52 عامًا. هذه الإجراءات كانت تهدف إلى الاستعداد لمواجهة التهديدات المتزايدة من الجماعات المسلحة.
إلى جانب ذلك، أطلقت الحكومة صندوقًا في عام 2023 لتمويل شراء العتاد العسكري ودعم المشاريع الزراعية، مع دعوة المواطنين لتقديم مساهمات طوعية. هذه الجهود تعكس إدراك المجلس العسكري لأهمية الاستثمار في الأمن والتنمية المستدامة.
التعاون الإقليمي يمثل أيضًا ركيزة أساسية في استراتيجية النيجر لمكافحة الإرهاب. فقد أنشأت النيجر مع مالي وبوركينا فاسو، وهي دول تشهد أيضًا حكمًا عسكريًا، قوة مشتركة قوامها 5 آلاف جندي لمواجهة الجماعات المسلحة. يهدف هذا التحالف إلى تنسيق الجهود وتبادل المعلومات وتعزيز القدرات العسكرية المشتركة.
العلاقة مع القوى الأجنبية وتأثيرها على الأمن
من الجدير بالذكر أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر طلب من القوات الفرنسية والأمريكية، التي كانت تعمل في البلاد لمكافحة الجماعات المسلحة، مغادرة البلاد بعد فترة وجيزة من توليه السلطة. هذا القرار أثار جدلاً واسعًا، حيث اعتبره البعض خطوة نحو استعادة السيادة الوطنية، بينما يرى آخرون أنه قد يضعف القدرات الأمنية للنيجر.
الانسحاب الفرنسي والأمريكي ترك فراغًا أمنيًا قد تستغله الجماعات المسلحة لتعزيز نفوذها وتوسيع نطاق عملياتها. ومع ذلك، يرى المجلس العسكري أن الاعتماد على القوى الأجنبية ليس هو الحل الأمثل، وأن النيجر يجب أن تعتمد على نفسها وعلى حلفائها الإقليميين لضمان أمنها.
التحديات المحتملة وآفاق المستقبل
على الرغم من أهمية التعبئة العامة في مواجهة التحديات الأمنية، إلا أنها قد تواجه بعض الصعوبات. فالنيجر دولة فقيرة تعاني من نقص في الموارد والبنية التحتية، وقد يكون من الصعب توفير التدريب والتجهيزات اللازمة لجميع المواطنين الذين سيشاركون في التعبئة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر التعبئة على الاقتصاد، حيث قد يتسبب تجنيد العمال والفنيين في نقص في الأيدي العاملة وتعطيل للإنتاج. ومع ذلك، يرى المجلس العسكري أن هذه التضحيات ضرورية لحماية البلاد وضمان مستقبلها.
في الختام، تمثل التعبئة العامة في النيجر خطوة جريئة نحو مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. يتوقف نجاح هذه الخطوة على قدرة الحكومة على توفير الدعم اللازم للمواطنين المشاركين في التعبئة، وعلى تعزيز التعاون الإقليمي، وعلى إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية المحتملة. من الضروري متابعة تطورات الوضع في النيجر وتقييم تأثير هذه الإجراءات على المدى القصير والطويل. الوضع يتطلب حذرًا وتخطيطًا دقيقًا لضمان تحقيق الأهداف المرجوة والحفاظ على الاستقرار في البلاد.


