فقدت المناشدات الدولية لإنقاذ الفلسطينيين في غزة معناها تماما في ظل التجاهل الرسمي العالمي والإقليمي لما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق المدنيين المحاصرين في القطاع والذين يموتون يوميا من التجويع الممنهج الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية.

فلا كلام الأمم المتحدة ولا منظمة الصحة العالمية ولا المقررين والهيئات الأممية، تمكنت حتى اليوم من إدخال رغيف خبز إلى أكثر من ميلوني فلسطيني يعيشون مجاعة مكتملة الأركان.

ومع تفاقم الأزمة الغذائية والشح الشديد في الغذاء والماء، ودخول القطاع المرحلة الخامسة من سوء التغذية، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن الأهوال التي يشهدها القطاع “لا مثيل لها في التاريخ الحديث”، مؤكدا أن “المجاعة تطرق كل الأبواب”.

كما لم تنجح الاحتجاجات والحملات الشعبية المتواصلة في العديد من الدول في تحريك الحكومات التي لا تزال تكتفي بالحديث عن مراجعة اتفاقيات مع إسرائيل أو الحديث معها في هذه المسألة.

العقوبات هي الحل

ومع تأكيد كافة المنظمات الأممية مسؤولية إسرائيل عن تجويع الفلسطينيين بشكل ممنهج، فإن الخطوة العملية الحقيقية لوقف ما يحدث هو فرض عقوبات على تل أبيب ومنع التعامل التجاري والعسكري معها، كما تقول المنسقة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي.

ولا يقف الأمر عند حد العقوبات والمحاسبة اللازمة لإسرائيل، لكنها تمتد أيضا إلى كافة الدول التي تمتلك موانئ على البحر المتوسط والتي يلزمها القانون الدولي بتحريك قطع بحرية لنقل الطعام والدواء وحليب الأطفال لهؤلاء المحاصرين، وفق ما أكدته ألبانيزي في برنامج “مسار الأحداث”.

كما لا يمكن غسل يد الولايات المتحدة من علمية الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ليس اليوم فقط وإنما منذ 1967، وفق ألبانيزي، التي جددت انتقادها للموقف الدولي عموما والعربي على وجه الخصوص.

ومع وجود قرار من محكمة العدل باحتمال وقوع إبادة في غزة، يصبح البقاء في منطقة النقاشات السياسية نوعا من صرف الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل يوميا ضد الفلسطينيين بدعم أميركي.

وليس أدل على نجاعة العقوبات من تغير موقف نقابة الأطباء الإسرائيليين بعد وقف نظيرتها البريطانية وقف التعامل معها، وكذلك موقف الأكاديميين الذين واجهوا مقاطعة دولية.

غير أن الولايات المتحدة تعتبر أن حل المشاكل الأمنية أولى من الحديث عن المساعدات لأن هذه المشكلات هي سبب الحرب وبحلها سيتحسن الوضع الإنساني الذي تحمل واشنطن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤوليته كاملا.

ووفقا للمسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك، فإن إدارة دونالد ترامب ترى أن حماس هي السبب في هذه المجاعة لأنها “ترفض كل المقترحات التي تقدم لها من أجل وقف إطلاق النار”.

وتجاهل واريك كل التقارير الإسرائيلية التي أكدت قبول حماس مقترحا أميركيا منذ مارس/آذار الماضي، وكذلك حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس العلني عن أن المساعدات ستظل وسيلة ضغط سياسية.

ورغم اعترافه بعدم قيام إسرائيل بما عليها من أجل إيصال المساعدات إلى الناس، فإن واريك لم يبد اكتراثا في حديثه لمئات الفلسطينيين الذين يسقطون كل يوم، ويرى أن إبعاد حماس عن مستقبل غزة يجب أن يكون هو المحور الأساسي لأي نقاش.

إسرائيل تنكر الواقع

أما جيش الاحتلال فلا يزال يغسل يديه من قتل الناس تجويعا بزعمه أن كل ما يقال عن المجاعة لا يعدو كونه دعاية فلسطينية لتشويه صورة إسرائيل، بل ويقول إن مشاهد الجوع التي يراها العالم قادمة من اليمن وليس من غزة، حسب ما أكده الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى.

وحتى المحللون الذين يظهرون على وسائل الإعلام الإسرائيلية يكشفون حقيقة أن الإسرائيلي والأميركي لا ينظران للفلسطيني كإنسان. وبالمثل من يعارضون التوغل البري الجديد في دير البلح بوسط القطاع، فإنهم يعارضونه خوفا على مصير 20 أسيرا لا يزالون على قيد الحياة، وليس على ميلوني محاصر فلسطيني.

لذلك، فإن استخدام التجويع سلاحًا لتركيع الشعب الفلسطيني ليس خافيا على أحد، لأن إسرائيل منعت منذ مارس/آذار الماضي، حتى إدخال ما كان يبقي الناس على قيد الحياة، كما تقول ألبانيزي، التي تقول إنها “لا تعرف ما الذي ستستفيده الدول الصامتة على كل هذه الجرائم”.

وحتى الحديث عن تحريك الدول مساعدات بالقوة نحو غزة تتطلب موقفا دوليا يصعب الوصول إليه في ظل دعم الولايات المتحدة الكامل جرائم إسرائيل، كما يقول المحلل السياسي ساري عرابي، الذي أشار إلى أن 56 دولة عربية وإسلامية لم تنفذ تعهدا واحدا مما صدر عن قمة الرياض قبل عام ونصف.

فهذه الدول، وفق عرابي، تقمع مواطنيها الذين يحاولون الاحتجاج بما في ذلك السلطة الفلسطينية نفسها، ناهيك عن أن بعضها مثل مصر يمتلك حدودا ومعابر مع القطاع، لكنها لا تحاول تغيير الواقع الإنساني بأي طريقة من الطرق.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version