“لأن أميركا وضعت رجلا على القمر يظن البعض أن بإمكانها فعل أي شيء، بل وأن تفعله بسرعة، فإن عجزت عن فعله لعدم القدرة أو نقص الموارد أو لخلل بيروقراطي، ظن هؤلاء أن أميركا لم تفعله لأنها لا تريد فعله”.

كتب الجنرال بيتر تشياريلي تلك الجملة في مقال نشرته النسخة العربية من مجلة “العرض العسكري” الصادرة عن الجيش الأميركي أثناء حقبة الحروب في أفغانستان والعراق، وهي تعكس تصورات منتشرة عالميا حول اتساع حدود القدرات الأميركية، وتزداد تلك التصورات تضخما حين تتناول تأثير الاستخبارات الأميركية في الأحداث الكبرى.

ولكن في المقابل، نجد ضباط الاستخبارات أنفسهم، والباحثين في حقل دراسات الاستخبارات، أكثر تواضعا في تناول تأثير أجهزة الاستخبارات، لدرجة وجود فرع رئيسي ضمن تلك الدراسات يتناول “الفشل الاستخباري”، كما في كتاب روبرت غريفس “لماذا تفشل الاستخبارات؟ دروس من الثورة الإيرانية وحرب العراق”.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

البرنامج السري المرعب الذي قادته الاستخبارات الأميركية للتلاعب بالعقول

list 2 of 2

البروفيسور كيوهان لـ”الجزيرة نت”: ترامب أنهى قرن أميركا الطويل وجفَّف منابع قوتها

end of list

ومنذ بضعة أسابيع، نشر الصحفي الاستقصائي تيم وينر كتابه الجديد “المهمة: الاستخبارات الأميركية في القرن الحادي والعشرين”، وهو صحفي متخصص في مجال الاستخبارات منذ عام 1988، وسبق أن حصل على “جائزة الكتاب الوطني” في الولايات المتحدة عن كتابه “إرث من الرماد” الصادر عام 2007، الذي تناول تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال أول ستين عاما من عمرها، واعتمد فيه على كمية كبيرة من الوثائق الاستخبارية المرفوعة عنها السرية، وعلى لقاءات مباشرة مع نحو 200 شخص من مديري الوكالة السابقين وضباطها وكبار المسؤولين فيها.

وفي هذا التقرير، سنستعرض إخفاق الاستخبارات الأميركية في أطول حرب خاضتها في التاريخ الأميركي، وهي حرب أفغانستان (2001-2021)، من واقع ما أورده وينر في كتابه الجديد.

أبرز محطات الحرب على أفغانستان

 تحولات في مهام الاستخبارات الأميركية

قبل الدخول في تفاصيل الفشل الاستخباري في أفغانستان، سنعود إلى ريتشارد هيلمز، وهو أحد مؤسسي وكالة المخابرات المركزية الأميركية (السي آي إيه)، وقد ترقى في مناصبها حتى عمل مديرا للوكالة مدة سبع سنوات في عهد الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، قبل أن يقال من منصبه لرفضه التستر على فضيحة ووترغيت، يوضح الهدف من تأسيس “السي آي إيه” قائلا:

إعلان

“كانت المهمة في البداية، أي في عام 1947، هي معرفة العالم عموما والعدو خصوصا، ومنع هجوم بيرل هاربر القادم… كانت الفكرة هي إنشاء منظمة يُمكن للمحللين من خلالها الاطلاع على كل شيء من الخارج، مهما كان سريًّا، بحيث يكتشف الجواسيس أسرار الكرملين، ويقوم المحللون الأكاديميون بتحليلها، ثم يقدم المديرون تقاريرهم إلى الرئيس الأميركي… في البداية، لم نكن نعرف شيئًا. كانت معرفتنا بما يخطط له الجانب الآخر ونياته وقدراته معدومة أو قريبة من ذلك. إذا توصلت إلى دليل هاتف، أو خريطة لمطار، كان ذلك أمرًا بالغ الأهمية. كنا في جهل تام بشأن الكثير من أنحاء العالم”.

لكن مع تبلور الحرب الباردة، تغيرت مهمة السي آي إيه، لتصبح المهمة بحلول عام 1949 هي دحر الشيوعية، وبالتالي تراجعت معرفة العالم إلى المرتبة الثانية ليحل محلها تغيير العالم من خلال العمل السري.

بدأت السي آي إيه تشكيل خلايا تحبك مؤامرات لتنفيذ انقلابات عسكرية كما في إيران ضد حكومة مصدق، أو لشراء أحزاب وشخصيات سياسية ونقابات عمالية مثلما حدث في إيطاليا واليونان لإسقاط الأحزاب الشيوعية في الانتخابات، وأشرفت على عمليات إسقاط عناصر معارضة بالمظلات في روسيا وبولندا وأوكرانيا والصين وكوريا الشمالية بغرض التجسس وتنفيذ أعمال تخريب، فضلا عن رعاية عمليات اغتيال لرؤساء أجانب مثل باتريس لومومبا في الكونغو عام 1961، وسلفادور الليندي في بنما عام 1973.

ولكن تعرضت السي آي إيه لفضيحة إثر فشل عملية “خليج الخنازير” لغزو كوبا بواسطة معارضين كوبيين مسلحين، وتحولت تعليمات الرئيس جون كينيدي باغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو إلى أزمة بعد أن تعرض كينيدي نفسه للاغتيال على يد الشاب الأميركي أزوالد الذي كانت له علاقات مشبوهة بالسوفيات والكوبيين، وصولا إلى فضيحة ووترغيت واستغلال نيكسون للاستخبارات الأميركية في التجسس على خصومه السياسيين، مما أدى إلى تشكيل لجنة من الكونغرس في سبعينيات القرن العشرين للرقابة على أنشطة الاستخبارات، ودفعها للعودة إلى هدفها الرئيسي وهو فهم العالم والأعداء.

لم تلبث السي آي إيه أن تعرضت لضربة في مصداقيتها مع تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991. إذ وفي نهاية السبعينيات حذرت تقاريرها التحليلية من أنه في غضون عشر سنوات، ستكون الولايات المتحدة متأخرة عن الاتحاد السوفياتي في القدرة العسكرية والنمو الاقتصادي، ولكن ما حدث هو العكس تماما.

وقد ساهم غياب العدو الشيوعي في إضعاف تأثير الوكالة في التسعينيات، فخُفضت ميزانيتها بنحو 600 مليون دولار في عهد الرئيس كلينتون، وأُغلقت أكثر من ثلاثين محطة وقاعدة خارجية لها، وتناقص عدد الموظفين بنحو الربع، أي ما يقرب من خمسة آلاف شخص.

واقتصر عدد ضباط الجهاز السري المكلف بإدارة العمليات السرية وتجنيد العملاء الأجانب واختراق أجهزة الاستخبارات المعادية وتفكيك الشبكات المصنفة إرهابية إلى ألف ضابط فقط. وبحسب مدير الوكالة جورج تينت أصبح عدد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في نيويورك فقط أكبر من عدد ضباط وكالة المخابرات المركزية في الخارج.

إعلان

وعن تلك الحقبة، يقول ريتشارد كير نائب مدير السي آي إيه من عام 1989 إلى عام 1992 “لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي بمثابة ضربةٍ قاسية للاستخبارات الأميركية. لم يعد شيء كما كان قبل ذلك”. وكتب ضابط الاستخبارات دوان كلاريدج في عام 1997 بعد تقاعده “لقد انتهت الوكالة كجهاز استخبارات فعال، ولن يعاد تفعيلها إلا بعد أن تحدث لنا كارثة مروعة”.

وكذلك حذر جورج تينت في عام 1998 في تقرير سري أنه “ما لم تحدث تغييرات جوهرية وشاملة في طريقة جمع الدولة للمعلومات الاستخبارية وتحليلها وإنتاجها، فإن الولايات المتحدة ستعاني قريبًا من فشل استخباري منهجي كارثي”.

الهدف: العراق

يشير الصحفي الاستقصائي تيم وينر إلى أن استهداف تنظيم القاعدة للسفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا في عام 1998 كشف عن قدرة التنظيم على ضرب هدفين في آنٍ واحد على بُعد ثلاثة آلاف ميل من مقر قيادته في أفغانستان، مما دفع الوكالة لملاحقة المشتبه فيهم في التفجيرات في أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان.

لكن خيار استهداف قيادة القاعدة في أفغانستان تراجع في عام 1999، بعد أن تسببت معلومات خاطئة قدمتها السي آي إيه للبنتاغون في قصف السفارة الصينية في بلغراد عاصمة صربيا على اعتبار أنها مستودع عسكري صربي، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح عشرين آخرين، ولذا فقد الرئيس كلينتون ثقته بقدرات وتقييمات الوكالة، ومنع شن هجمات جديدة على أفغانستان.

ومع مجيء إدارة بوش الابن للحكم مطلع عام 2001، تباهى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بوضع بلاده قائلا “لأول مرة منذ عقود، لا تواجه البلاد أي تحديات إستراتيجية. لا يتعين علينا أن نستيقظ كل صباح ونفكر سوف يحدث شيء فظيع”.

 وحين حاول مدير السي آي إيه جورج تينت طرح ملف تنظيم القاعدة بأفغانستان على طاولة الإدارة الجديدة، لم يتفاعل مجلس الأمن القومي باعتبار أن إدارة بوش ليس لديها سياسة بشأن أفغانستان.

كما تشكك الحرس القديم بالإدارة مثل ديك تشيني نائب الرئيس ورامسفيلد وزير الدفاع في توجهات الوكالة منذ عملهما في عهد نيكسون، وخشيا من انخراطها في مؤامرة يديرها الليبراليون العازمون على تقويض الإدارة الجمهورية حدّ وصفهم، وتوجسا من أن الحديث عن خطر تنظيم القاعدة قد يكون خدعة تهدف لتضليل البيت الأبيض والبنتاغون، لصرف انتباههما عن أمور أكثر إلحاحًا.

حضر ملف العراق على جدول اجتماعات مجلس الأمن القومي مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًّا منذ تنصيب بوش الابن، باعتبار أن الإطاحة بنظام صدام حسين ستجعل واشنطن تسيطر على العالم العربي، وستعزز أمن إسرائيل، وستسقط الدكتاتوريات في أنحاء المنطقة كالدومينو.

وفي الرابع من أغسطس/آب 2001، طُلب من السي آي إيه وضع خطة مفصلة للعمل السري للمساعدة في الإطاحة بنظام صدام حسين. وصاغت محطة الوكالة في دولة مجاورة للعراق خطة تهدف لإيهام الرئيس العراقي بوجود معارضة داخلية في بغداد، وأن أعضاء دائرته المقربة يتآمرون ضده، لدفعه لقتل الموالين له من أجل قمع انقلاب متوهم، ولإضعاف قبضته على السلطة، تمهيدا لتحريك مجموعات معارضة في الجنوب والشمال العراقي لإسقاط النظام.

أحداث سبتمبر ومصيدة أفغانستان

ناقش مجلس الأمن القومي في الرابع من سبتمبر/أيلول 2001 ملف تنظيم القاعدة مع توالي الإنذارات المحذرة من هجوم وشيك غير محدد المكان ولا الأهداف. وبعد أسبوع وقعت الهجمات التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع في واشنطن.

بعد الهجوم بساعات طلب وزير الدفاع رامسفيلد التحقق من مدى كفاية المعلومات الاستخبارية حول علاقة العراق بالهجمات، وفي اليوم التالي وصل ريتشارد ديرلوف رئيس جهاز المخابرات الخارجية البريطاني (MI6)، رفقة فريق من مساعديه على متن طائرة خاصة من لندن، وقال لنظرائه الأميركيين “يجب أن نركز على أفغانستان ولا نركز على أي شيء آخر”، محاولا ثني إدارة بوش عن غزو العراق.

إعلان

وفي 15 سبتمبر/أيلول، اعتمد مجلس الحرب في كامب ديفيد، خطة وكالة المخابرات المركزية للرد على الهجمات، وتضمنت شن عمليات ضد عناصر القاعدة والمحسوبين عليهم في 92 دولة، ودفع مبالغ طائلة لتعبئة أجهزة استخبارات أجنبية وصديقة فيما أسمته أميركا بـ “الحرب العالمية على الإرهاب”، بحيث يقدم الجانب الأميركي الأموال والأسلحة وتقنيات التنصت؛ وتقتحم الأجهزة الصديقة المنازل وتعتقل أو تقتل المشتبه فيهم بالإرهاب.

وفيما يخص أفغانستان نصّت الخطة على تقديم المال والدعم لقادة تحالف الشمال الأفغاني المعارض بهدف القضاء على بن لادن وتنظيمه وإسقاط حكومة طالبان. وبذلك عادت السي آي إيه لتقديم العمل السري على التجسس والتحليل، وساهمت تقاريرها الكاذبة عن وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين في دفع الولايات المتحدة لغزو العراق واحتلاله.

وقتها، أشار وزير الخارجية إلى أهمية استخدام الدبلوماسية أولا لإقناع طالبان بتسليم بن لادن قبل شن الحرب، لكن الرئيس بوش قال: “تبًّا للدبلوماسية، نحن ذاهبون إلى الحرب”. وحين اطلع البريطانيون على الخطة الأميركية، سأل مارك ألين رئيس قسم مكافحة الإرهاب في جهاز الاستخبارات الخارجية (MI6)، ماذا سنفعل بعد أن نُنهي الحرب في أفغانستان وتنتشر كوادر القاعدة في جميع أنحاء العالم الإسلامي؟ ولم يكن لدى الأميركيون إجابة، بحسب ما أوضح تينر في كتابه.

سقطت حكومة طالبان على يد قوات تحالف الشمال المدعومة ببضع مئات من عناصر الاستخبارات والقوات الخاصة الأميركية، لكن برز سؤال ماذا بعد. ونقل وينر في كتابه عن الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة قوله “كانت المهمة الموكلة إليّ في أفغانستان: سندخل، سنلاحق القاعدة، وسنخرج من أفغانستان.. قال الرئيس بوش، لن نبني دولة هناك”، في حين قال ريتشارد هاس مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية “ليس لدينا أي فكرة عما ينبغي لنا فعله بعد سقوط طالبان”.

وحين عرض حامد كرزاي الذي رشحته السي آي إيه لرئاسة أفغانستان، توقيع اتفاق سلام ومصالحة مع طالبان، اعترض وزير الدفاع رامسفيلد، وكانت الحجة أن الولايات المتحدة لا تريد السلام، بل تريد الحرب على الإرهاب. لكن الحرب امتدت نحو 20 عاما، وانتهت بعقد اتفاق سلام مع طالبان في الدوحة في عام 2020 وعودتها إلى الحكم مجددا، فيما انسحبت القوات الأميركية بشكل غير منظم في مشاهد أعادت إلى الذاكرة مشاهد الانسحاب من سايغون عاصمة فيتنام.

إخفاق الاستخبارات

بعد الانسحاب، بدأت أصوات المسؤولين الأميركيين السابقين تتعالى بالحديث عن جوانب الإخفاق، وحمّلوا الاستخبارات الأميركية جزءا كبيرا من المسؤولية. فستيفن هادلي مستشار الأمن القومي السابق في إدارة بوش الابن الثانية (2005-2009) اعتبر أن الفساد في النظام الأفغاني الجديد كان أكبر أداة تجنيد لطالبان، وأضاف وينر موضحا منبع هذا الفساد قائلا “كان جوهر الفساد هو الطريقة التي أدارت بها وكالة المخابرات المركزية أعمالها في أفغانستان، باستخدام أكوام من أوراق المئة دولار.. كان عناصرها بارعين جدًّا في توزيع حقائب كبيرة من المال، وسيارات دفع رباعي جديدة، وأجهزة راديو صغيرة رائعة تعمل عبر الأقمار الصناعية على المتعاونين معها… ولكن فيما يتعلق بأي معرفة حقيقية بما كان يحدث، وما الذي كانوا يحاولون إنجازه في الحاضر والمستقبل، فالمحصلة صفر”.

أما روبرت غيتس، محلل ووكالة الاستخبارات المركزية الذي عمل في الوكالة منذ عام 1966، ثم ترقى في المناصب حتى أصبح مديرا للوكالة منذ عام 1991 إلى 1993، ثم وزيرا للدفاع منذ 2006 إلى 2011، والذي يوصف بأنه المدير الأكثر مهنية في تاريخ الوكالة، فيقول “الحقيقة هي أنه في أحداث 11 سبتمبر لم نكن نعرف الكثير من المعلومات حول تنظيم القاعدة.

هذا هو سبب حدوث الكثير من الأمور، من استجوابات فيها أساليب تعذيب وغيرها، لأننا لم نكن نعرف شيئًا. لو كانت لدينا قاعدة بيانات ممتازة وكنا نعرف تمامًا ماهية تنظيم القاعدة وقدراته وما شابه ذلك، لما كانت بعض هذه الإجراءات ضرورية. لكن الحقيقة هي أننا تعرضنا لهجوم من قبل جماعة لم نكن نعرف عنها شيئًا”.

إن تقييمات هادلي وغيتس تشير إلى أن السي آي إيه فشلت في وظيفتها الأساسية: فهم العدو، وبتعبيرات المدير السابق هيلمز فشلت في منع بيرل هاربر جديد.

إعلان

فجوهر عمل أجهزة الاستخبارات لا يقتصر على ملاحقة الأفراد أو تفكيك التنظيمات المعادية، إنما يتمثل في دعم صناع القرار بالمعلومات والتحليلات التي توفر رؤية شاملة للمشهد، وتقديم تقييمات دقيقة للتهديدات، والتنبيه للفرص المتاحة، وهو ما يُطلق عليه “الاستخبارات الإستراتيجية”، فبناء عليها تُبنى القرارات الكبرى وتُصاغ السياسات الطويلة الأمد.

أما العمليات الخاصة من اغتيال وتصفية واعتقال، فهي تندرج في نطاق “الاستخبارات التكتيكية”، التي وإن حققت نجاحات لافتة، فإنها لا تكفي لحسم الحروب.

وقد نفذت الاستخبارات الأميركية آلاف العمليات التكتيكية، وقتلت القائد الثاني لطالبان الملا أختر منصور، واعتقلت الآلاف من عناصر طالبان، وتتبعت عناصر تنظيم القاعدة فردا فردا، ولكن هذه النجاحات الجزئية لم تمنع الهزيمة الكبرى في أفغانستان، حيث انهار كل ما بُني خلال عقدين في غضون أيام في شهر أغسطس قبل أربعة أعوام.

لقد أنفقت الولايات المتحدة مئات مليارات الدولارات على مدار عشرين عاما في أفغانستان، لكن الاستخبارات الأميركية عجزت عن إنتاج معرفة تُمكّنها من فهم مجتمعٍ معقّد كالمجتمع الأفغاني، أو استشراف مستقبل الحرب، وإخفاقها بأفغانستان يضيف فصلًا جديدًا إلى تاريخ طويل من الإخفاقات الإستراتيجية، ويطرح تساؤلات عميقة حول قدرة القوة العظمى على ترجمة قوتها الصلبة إلى انتصارات ميدانية في صراعات القرن الحادي والعشرين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version