قالت صحيفة لوموند إن الأمين التنفيذي السابق للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة كارلوس لوبيز، دعا القارة السمراء، عشية المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية، إلى بناء نظامها المالي الخاص، دون انتظار العون من أحد.
وطلب أستاذ الاقتصاد السياسي المشارك في التحضير للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، الذي افتتح الاثنين في إشبيلية -في مقابلة أجرتها معه لورانس كاراميل للصحيفة- من أفريقيا الابتعاد عن نموذج التنمية الذي وضعه الشمال.
وقال لوبيز عند سؤاله هل يلبي المؤتمر احتياجات أفريقيا؟ إن الموافقة على البيان الختامي تمت قبل افتتاح المؤتمر، مما يؤكد أن أي مفاوضات لن تعقد في إشبيلية، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني غيابا للنتائج، وإن كانت بالتأكيد أقل مما يحق لأفريقيا توقعه.
وذكر بأن القضية الحقيقية والمشكلة الجوهرية لا تزال متجاهلة في المناقشات، وهي مسألة الحصول على رأس المال بشروط عادلة، مشيرا إلى أن إصلاح المؤسسات المالية الدولية لتوفير المزيد من القروض الميسرة، وإيجاد أدوات لتشجيع القطاع الخاص على زيادة الاستثمار، خطوات في الاتجاه الصحيح، ولكنها ثانوية وتظل غامضة.
وعند تفسيره الشروط العادلة، نبه لوبيز إلى أن الدول الأفريقية لا تجد صعوبة في الاقتراض من الأسواق الدولية أو من البنوك فحسب، بل إن الاقتراض إن وجد، يكون بشروط باهظة، وضرب مثالا بوكالات التصنيف الائتماني الكبرى التي تواصل تقييم المخاطر الأفريقية بناءً على الديون السيادية، مع أنها نادرا ما تفعل ذلك في أماكن أخرى.
حذارِ من أوهام النمو
وعند السؤال عن تأثير تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وتراجع المساعدات الإنمائية الرسمية من الجهات المانحة الأخرى، قال أستاذ الاقتصاد السياسي إن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة أدخلت العالم إلى بعد آخر من تراجع التعددية وتمويل المبادرات العالمية، حيث يتفاوض على كل صفقة بطريقة صعبة دون رؤية جماعية شاملة.
ودعا لوبيز الدول الأفريقية إلى أن تتعلم من العواقب، وأن تقيم سياسات المساعدة الإنمائية الرسمية التي حاصرت نفسها بها، مؤكدا أنه لا يدعو إلى التخلي عن كل ما هو مفيد، ولكن يذكر بأن هذه المساعدات لم تفض بعد 6 عقود، إلى تحول هيكلي في اقتصاداتها.
وحذر أستاذ الاقتصاد من “أوهام النمو”، موضحا أن أفريقيا ستكون ذات أفضل نمو اقتصادي في عام 2025، حسب توقعات صندوق النقد الدولي، ولكن هذا النمو لا يزال نموا خارجيا، يعتمد على تصدير الموارد الطبيعية، إذ لا تزال أفريقيا عالقة في النموذج الاستعماري الاستخراجي.
ويعد سباق الحصول على أرصدة الكربون، الذي تخوضه الحكومات الأفريقية أملا في إيجاد مصدر تمويل، مثالا آخر على أن أفريقيا لا تحدث تحولا كافيا، ومع ذلك يرى لوبيز أن أفريقيا أساسية لإدارة الاتجاهات الرئيسية التي ستشكل عالم الغد.
أولا من حيث هو التركيبة السكانية، إذ تعد أفريقيا القارة الوحيدة التي سيستمر فيها نمو عدد الأشخاص في سن العمل، في ظل شيخوخة السكان في الدول الصناعية والصين، وثانيا أنه لا يمكن تحويل كل الوظائف إلى وظائف آلية، وسيبقى العالم القديم بحاجة إلى الشباب الأفريقي في العمل وفي استيعاب إنتاج السلع عالية التقنية التي سيعتمد عليها هيكلها الاقتصادي بشكل متزايد.
إمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة
وأخيرا، هناك مسألة المناخ، حيث لا تمتلك القارة المعادن الإستراتيجية اللازمة للتحول البيئي فحسب، بل تمتلك أيضا إمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
أفريقيا تجد نفسها أكثر تهميشا عندما لا ننظر إلى العلاقات الدولية من منظور المصالح العامة المشتركة، وتبقى دائما كعبء ما لم ينظر إلى إمكاناتها الهائلة.
وعند تنبيه المحاورة لأستاذ الاقتصاد أن أفريقيا التي يعتبرها جوهرية، تبدو مهمشة أكثر فأكثر بسبب إعادة تعريف اللعبة الدولية التي فرضها ترامب، قال إن أفريقيا تجد نفسها أكثر تهميشا عندما لا ننظر إلى العلاقات الدولية من منظور المصالح العامة المشتركة، وتبقى دائما كعبء ما لم ينظر إلى الإمكانات التي وصفها.
وذكر لوبيز بأن جائحة كوفيد-19 كشفت بوضوح تام ما يسميه النفاق الهيكلي في العلاقات مع أفريقيا، وأوضح أن ذلك يتمثل في إطلاق وعود لا نهاية لها دون الوفاء بها ودون الحاجة إلى تبريرها، في وقت كانت فيه أرواح الناس على المحك، ولكن الأفارقة بمواردهم الشحيحة، تأقلموا، وكان رد فعلهم على الجائحة استثنائيا.
وعند سؤاله ما الذي ينبغي على القادة الأفارقة فعله؟ رد لوبيز بأن ما تحتاجه أفريقيا ليس المزيد من النصائح حول كيفية الاندماج في نموذج يعتبره معطلا، بل يجب على أفريقيا أن تبحث في ذاتها عن حلول، وأن تتوقف عن انتظار المعجزات من الآخرين.
وخلص أستاذ الاقتصاد إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية التي أُطلقت في خضم الجائحة كانت دليلا على الإرادة السياسية، إلا أنه يجب المضي في علاج المشكلة الرئيسية، وهي الوصول إلى رأس المال من خلال بناء نظامنا المالي الخاص، خاصة أن أكثر من تريليوني دولار مودعة في صناديق التقاعد وغيرها من المؤسسات المالية في أفريقيا، ولكن معظمها مستثمر في مؤسسات بالخارج.