أثار تقرير حديث لصحيفة لوباريزيان الفرنسية، ومستند إلى دراسة للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، قلقًا متزايدًا بشأن مصير الأسلحة التي تُرسل إلى أوكرانيا في ظل الحرب المستمرة. تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف مليون قطعة سلاح قد اختفت منذ بداية الصراع، مما يثير تساؤلات حول الرقابة والتتبع، ويضع ضغوطًا على الدول الداعمة لكييف. هذه القضية المتعلقة بـ تسريب الأسلحة من أوكرانيا ليست مجرد مشكلة لوجستية، بل تمتد لتشمل أبعادًا أمنية وسياسية خطيرة.
حجم المشكلة: اختفاء الأسلحة في أوكرانيا
وفقًا للتقرير، فإن حجم الأسلحة المفقودة أو المسروقة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 كبير للغاية. التقديرات تتحدث عن حوالي 500,000 قطعة سلاح، تتراوح بين الأسلحة الخفيفة مثل المسدسات والبنادق، وصولًا إلى المعدات العسكرية الأكثر تعقيدًا. ورغم أن الجزء الأكبر من هذه الأسلحة يُستخدم بالفعل في القتال على الجبهات، إلا أن هناك فجوة كبيرة في تتبع بعض الشحنات، خاصةً الأسلحة الصغيرة، مما يجعلها عرضة للاختفاء في شبكات التهريب.
هذا الوضع يثير قلق الشركاء الغربيين الذين يقدمون دعمًا ماليًا وعسكريًا ضخمًا لأوكرانيا، حيث يخشون من أن هذه الأسلحة قد تصل إلى أيدي غير مرغوب فيها، مما يزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي. الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، قدم لأوكرانيا قرضًا بقيمة 90 مليار يورو، مما يجعل ضمان وصول هذه المساعدات إلى وجهتها الصحيحة أمرًا بالغ الأهمية.
أسباب تسريب الأسلحة: الفساد والفوضى
لا يمكن النظر إلى قضية تسريب الأسلحة من أوكرانيا بمعزل عن السياق الأوسع للحرب والفساد المستشري. يشير الخبراء إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة في مناطق الصراع، حيث غالبًا ما يستغل الجنود والقادة الميدانيون الفوضى العملياتية لتحويل جزء من الأسلحة وبيعها لتحقيق مكاسب شخصية.
دور الفساد والشبكات الإجرامية
ضعف الرقابة والإجراءات الأمنية، بالإضافة إلى الفساد المتجذر في بعض المؤسسات الأوكرانية، يسهل عملية التهريب. الشبكات الإجرامية المنظمة تستغل هذه الثغرات لتهريب الأسلحة عبر الحدود، وبيعها في السوق السوداء. وقد أدى هذا إلى مخاوف متزايدة من أن الأسلحة التي كانت مخصصة للدفاع عن أوكرانيا قد تستخدم في أعمال إجرامية أو حتى في تغذية الصراعات الأخرى في المنطقة.
جهود أوكرانيا لمكافحة التسريب وتأثير الدعاية الروسية
تدرك السلطات الأوكرانية خطورة الوضع وتسعى جاهدة لطمأنة حلفائها من خلال تكثيف جهود مكافحة الفساد وتهريب السلاح. وقد تم تفكيك العديد من الشبكات الإجرامية، وتشديد الرقابة على الحدود، وفرض آليات صارمة على المعدات الثقيلة والمكلفة. وقد لاقت هذه الجهود إشادة من بعض المنظمات الدولية، على الرغم من الاعتراف بوجود حالات مثبتة من التسريب.
حملات التضليل الروسية
في المقابل، تستغل روسيا هذه القضية في حملات تضليل إعلامي تهدف إلى تقويض الدعم الغربي لأوكرانيا. تقوم روسيا بالمبالغة في حجم الظاهرة ونشر معلومات كاذبة، بهدف إثارة الشكوك حول قدرة أوكرانيا على ضمان سلامة الأسلحة التي تتلقاها. وقد ذهبت بعض التقارير الروسية إلى حد الزعم بأن أوكرانيا أرسلت أسلحة إلى حركة حماس، وهي اتهامات ترفضها أوكرانيا بشدة. هذه الدعاية تهدف إلى التأثير على الرأي العام الغربي وتقليل الدعم المقدم لكييف.
مستقبل القضية: خطر ما بعد الحرب
يرى مراقبون أن الخطر الأكبر المتعلق بـ تسريب الأسلحة من أوكرانيا لا يكمن في الوقت الراهن، بل قد يظهر بشكل أوسع في مرحلة ما بعد توقف الحرب. عندما تتوقف العمليات القتالية، يصبح التحكم في تدفق السلاح أكثر تعقيدًا، مما يزيد من فرص تسربه إلى أيدي غير مرغوب فيها.
تطور شبكات التهريب
من المتوقع أن تتطور شبكات التهريب وتصبح أكثر تنظيمًا واتساعًا مقارنة بتجارب سابقة في أماكن مثل البلقان أو أفغانستان. هذا يتطلب جهودًا دولية متواصلة لتعزيز الرقابة وتتبع الأسلحة، ومكافحة الفساد، وتفكيك الشبكات الإجرامية. كما يتطلب الأمر تعاونًا وثيقًا بين أوكرانيا والدول الداعمة لها لضمان سلامة الأسلحة التي تُرسل إلى البلاد، ومنع وصولها إلى أيدي قد تستخدمها لزعزعة الاستقرار. التعامل مع الأمن الحدودي لأوكرانيا سيكون أمرًا بالغ الأهمية في هذه المرحلة.
الخلاصة
إن قضية تسريب الأسلحة من أوكرانيا هي قضية معقدة ومتعددة الأوجه، تتطلب معالجة شاملة وفعالة. يجب على أوكرانيا مواصلة جهودها لمكافحة الفساد وتهريب السلاح، وتعزيز الرقابة والتتبع، والتعاون مع حلفائها الدوليين. وفي الوقت نفسه، يجب على الدول الداعمة لأوكرانيا أن تزيد من تدقيقها للشحنات العسكرية، وأن تفرض آليات صارمة لضمان وصولها إلى وجهتها الصحيحة. إن منع تسريب الأسلحة ليس مجرد مسؤولية أوكرانيا، بل هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المجتمع الدولي بأكمله. من الضروري مناقشة هذه القضية بشكل علني وشفاف، وتبادل المعلومات والخبرات، والعمل معًا لإيجاد حلول مستدامة.


