بينما يمكن أن يعمل الحاسوب التقليدي في درجة حرارة الغرفة فإن الحواسيب الكمية فائقة السرعة -والتي صنعت شركة غوغل أول جهاز منها عام 2019- لا يمكنها العمل إلا في درجة حرارة تقترب من الصفر، وهي المشكلة التي جعلت هناك صعوبة في انتشارها رغم ما توفره من إمكانيات هائلة في تحليل البيانات بشكل أسرع من الحواسيب التقليدية.

ويزعم فريق بحثي من جامعة تكساس إل باسو الأميركية يقوده أستاذ الفيزياء المصري أحمد الجندي أنه حقق قفزة نوعية تسهم في فك تجميد تلك الحواسيب بحيث تصبح أكثر انتشارا، وذلك عن طريق جعلها تعمل مثل الحواسيب التقليدية في درجة حرارة الغرفة، وتمت هذه القفزة عبر تطوير مادة حوسبة كمية مغناطيسية للغاية (أكثر مغناطيسية بمقدار 100 مرة من الحديد النقي)، وتم وصف المادة في العدد الصيفي من دورية “أبلايد فيزيكس ليترز”.

كيف تعمل الحواسيب الكمية؟

تعتمد الحواسيب الكمية في عملها على مبادئ “ميكانيكا الكم” التي توفر وصفا للخصائص الفيزيائية على مقياس الذرات والجسيمات دون الذرية، ومن ثم فإن تلك الحواسيب تتمتع بالقدرة على إحداث ثورة في تحليل البيانات بشكل أسرع، حيث تُرمز المعلومات فيها بـ”الكيوبت” وهو يختلف عن “البت” المستخدم في الحواسيب التقليدية عند معالجة المعلومات.

وبينما يتخذ “البت” قيمة صفر أو واحد فإن “الكيوبت” يتخذ القيمتين معا، وحين يتخذ قيمتي صفر وواحد معا يسمى ذلك “حالة تراكب”، مما يساعد الحواسيب الكمية على حل المسائل الرياضية المعقدة.

ويقول الجندي في تصريحات هاتفية للجزيرة نت “رغم هذه الثورة في معالجة البيانات فإن تلك الحواسيب الكمية تحتاج إلى نظام تبريد خاص يشمل تبريد الجهاز وتبريد جميع المواد، وهو أمر مكلف للغاية ولا يجعل درجة حرارة الغرفة صالحة للعمل مع تلك الأجهزة، ولكن مادة الحوسبة الكمية المغناطيسية للغاية التي قمنا بتطويرها تحل تلك المشكلة”.

ويستخدم المغناطيس بشكل عام في أجهزة الحاسوب الكمية لتعزيز السرعة، لكن الخصائص المغناطيسية القوية تعمل فقط في درجات الحرارة المنخفضة، لذلك يتم الاحتفاظ بأجهزة الحاسوب الكمية حاليا عند درجة حرارة باردة.

Quantum computer concept. Wide angle visual for banners or advertisements.

 مواجهة الاحتكار الصيني

وإضافة إلى حاجة مغناطيس الأجهزة الكمية لدرجة حرارة منخفضة جدا وهذا أمر مكلف للغاية ويستهلك طاقة عالية فإنه مصنّع أيضا من مواد أرضية نادرة تحتكر الصين تصديرها.

ويقول الجندي “جميع المغناطيسات حاليا مصنوعة من تلك المواد النادرة، ولدينا نقص فيها، ويمكن أن نواجه مشكلة قريبا تتمثل في عدم توفر هذه المواد اللازمة لصنع مغناطيس لأي صناعة، ولذلك عمل فريقنا البحثي منذ عام 2019 على مغناطيسات جديدة تماما لا يكون مصدرها تلك المواد”.

ويضيف أنه “بعد سنوات عدة من التجربة والخطأ أثمرت جهودنا عن مادة مكونة من خليط يتضمن المواد المعروفة باسم أمينوفيروسين والغرافين، حيث تمت إحاطة أكسيد الأمينوفيروسين بطبقتين علوية وسفلية من الغرافين، وأظهرت تلك المادة مغناطيسية قوية للغاية تؤهلها لأن تكون أساسا لصناعة حاسوب كمي يعمل في درجة حرارة الغرفة”.

ويتوقع الجندي توفر حاسب كمي يعمل بتلك المادة في غضون فترة تتراوح بين 10 و20 عاما، ويمكن أن تقل إذا توفرت استثمارات ضخمة في هذا الاتجاه، مؤكدا أن فريقهم البحثي على أتم استعداد للتعاون مع أي شريك صناعي يسعى للاستفادة من المادة في إنتاج حاسب كمي يعمل في درجة حرارة الغرفة.

ويشير الجندي إلى أن المغناطيس المبتكر سيساعد على تخفيض سعر الحاسب الكمي بسبب الاعتماد في إنتاجه على مواد متوفرة وليست نادرة.

LAS VEGAS, NEVADA - JANUARY 9, 2020: IBM Q System One Quantum Computer at the Consumer Electronic Show CES 2020

أهمية تكرار النتائج

من جانبه، يصف رئيس المركز المصري للفيزياء النظرية عبد الناصر توفيق هذا الإنجاز البحثي بأنه “أعاد المغناطيسات الجزيئية إلى الواجهة كأحد خيارات الحوسبة الكمية، حيث إن المادة التي تم تصنيعها يبدو أنها قادرة على إمدادنا بالكيوبت، وهو الوحدة الأساسية للحوسبة الكمية”.

وقال توفيق في تصريحات عبر الهاتف للجزيرة نت إن من نقاط التميز أيضا تخليق المادة المغناطيسية بخلط “الأمينوفيروسين” و”الغرافين”، وهما ليسا نادرين، كما أن خلطهما تم بطريقة وبخطوات محددة، أي أن الخلط ليس عشوائيا، حيث تمكن الباحثون في المحصلة من إحاطة “أكسيد الأمينوفيروسين” بطبقتين علوية وسفلية من “الغرافين”.

ويشدد توفيق على أنه رغم إعجابه بما توصل إليه الباحثون فإن ذلك لا يمنع تأكيده على أن النتائج المنشورة لا تزال بحاجة للمزيد من الاختبارات، مشددا على ضرورة عمل مجموعات بحثية أخرى على المادة نفسها للتأكد من تكرار النتائج ذاتها.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.