رجحت دراسة حديثة أن يكون المهاجرون من شبه جزيرة أيبيريا هم من نقلوا الزراعة إلى شمال غربي أفريقيا في العصر الحجري الحديث، وفقا لتحليل البيانات الجينومية القديمة. ويساعد البحث في حل نقاش طويل الأمد حول أصول الزراعة في إقليم المغرب العربي.

فقبل نحو 7400 عام، انتقل البشر الذين يعيشون في شمال غربي أفريقيا من البحث عن الطعام (الجمع والالتقاط) إلى أسلوب الحياة القائم على الزراعة، لكن الآلية التي أدت إلى هذا التحول لم تكن واضحة، وهو ما تكشفه الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) يوم 7 يونيو/حزيران الجاري.

معضلة تاريخية

فبينما أشارت بعض الدراسات إلى أن مجتمعات شمال غربي أفريقيا عرفت الزراعة دون أي اختلاط مع الشعوب المجاورة الذين مارسوها بالفعل، تفترض دراسات أخرى أن المستوطنين من جنوب غربي أوروبا -وتحديدا شبه الجزيرة الأيبيرية التي تضم ما يعرف اليوم بإسبانيا والبرتغال- اختلطوا أو حلوا محل السكان المحليين ومن ثم أدخلوا الزراعة إلى المنطقة.

ولمحاولة الوصول إلى إجابة وافية، درس الباحثون تسلسل جينومات 9 أفراد من 3 مواقع أثرية لم تُأخذ عينات منها سابقا في شمال غربي أفريقيا، يعود تاريخها إلى نحو 7600 و5700 عام. وخلصوا إلى أن المهاجرين الأيبيريين أدخلوا الزراعة إلى المنطقة خلال العصر الحجري الحديث المبكر، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org).

ورجح الباحثون أن الوافدين الجدد جلبوا أساليب جديدة لممارسة الزراعة، وحيوانات مستأنسة، وتقاليد فخار سرعان ما تبنّتها الجماعات المحلية. ثم حدثت موجة أخرى من الهجرة خلال العصر الحجري الحديث الأوسط، عندما عرف الرحالة القادمون من بلاد الشام حرفة الرعي. وفي وقت لاحق، اختلطت السلالات الثلاث المختلفة المغاربية والأوروبية والشامية معا.

وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة ماتياس جاكوبسون، أستاذ التطور البشري في جامعة “أوبسالا” (Upsala University) السويدية، في تصريح للجزيرة نت، “أن النتائج قدمت اكتشافا رائعا بشأن تطور الحياة والمجتمعات الحضارية في شمال غربي أفريقيا التي تمتد إلى ما لا يقل عن 8 آلاف عام وربما أبعد من ذلك”.

وأضاف جاكوبسون “بعد عزلة طويلة، شهد شمال غربي أفريقيا وصول مجموعتين من الأسلاف الجدد في غضون ألف عام تقريبا. اتبعت إحدى موجات الهجرة الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، بينما سلكت الأخرى طريقا جنوبيا. وأدت هذه التدفقات من الأسلاف الجديدة إلى تغييرات ديمغرافية كبيرة في المنطقة”.

Ancient genomes suggest farming in Africa was ignited by oversea-migrants from Iberia 7,400 years ago

وقال المؤلفون إن فحوص الحمض النووي للعينات كشفت بوضوح وجود أصول أجنبية لبعض المجتمعات في منطقة الدراسة، تعود إلى المزارعين الأوروبيين الذين قدموا إلى شمال أفريقيا في العصر الحجري الحديث قبل ما يقرب من 7500 عام. وتشير هذه النتيجة بقوة إلى أن المهاجرين لعبوا دورا مهما في إدخال نمط الحياة الزراعية الجديدة إلى المنطقة.

وأشار الباحث الرئيسي للدراسة إلى أن القادمين الجدد اختلطوا بالسكان المحليين الذين بدورهم تعايشوا مع الأوروبيين وتحول أسلوب حياتهم إلى الزراعة خلال مدة قصيرة نسبيا لا تتجاوز بضع مئات من السنين، وهو شكل من التعايش والاندماج يعتقد المؤلفون أنه لم يشاهد في أي جزء آخر من العالم.

بالإضافة إلى ذلك، قدم المهاجرون من الشام أيضا إلى شمال غربي أفريقيا، حسب ما أظهرت التحليلات الجينية. وتزامن هذا الوجود مع ظهور الرعي في المنطقة. وفي وقت لاحق، خلال الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث، اختلطت مجموعات الأسلاف الثلاث: السكان المحليون والمهاجرون الأوروبيون والمهاجرون من بلاد الشام، واندمجت معا، مما يدل على مزيج من الأنساب الجينية والممارسات الثقافية، وفقا للدراسة.

المصدر : الجزيرة + فيز دوت أورغ + مواقع إلكترونية

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.