في سياق الحديث عن الدبلوماسية الخليجية والعربية، يبرز اسم الدبلوماسي الكويتي المخضرم عبدالله بشارة، الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي، كأحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في صياغة آليات العمل المشترك. حديث بشارة الأخير عن ما يمكن تسميته بـ «دستور إدارة القمم» و محظورات القمم السياسية الثلاثة الأساسية التي يجب تجنبها لضمان نجاح أي قمة سياسية، أثار اهتماماً واسعاً في الأوساط الدبلوماسية والإقليمية. هذه القواعد ليست مجرد تفضيلات، بل هي حصيلة خبرة عملية تمتد لعقود في العمل الدبلوماسي الرفيع، وتأتي في وقتٍ حرج تشهد فيه المنطقة تحديات متزايدة.

العمق التاريخي والخبرة الدبلوماسية لعبدالله بشارة

لا يمكن فهم أهمية تصريحات عبدالله بشارة حول إدارة القمم السياسية دون الرجوع إلى الخلفية التاريخية الغنية التي يستند إليها. فبشارة لم يكن مجرد شاهد عيان على تشكل مجلس التعاون الخليجي، بل كان مهندسًا رئيسيًا في تأسيسه، وشغل منصب أول أمين عام للمجلس في عام 1981.

هذه الفترة كانت حرجة للغاية بالنسبة للمنطقة، حيث كانت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها، مهددة بزعزعة الاستقرار الإقليمي. في خضم هذه التوترات، لعب بشارة دورًا محوريًا في صياغة الهوية الدبلوماسية للمجلس، والتي تميزت بالاعتماد على التروي والحكمة، والسرية في المداولات، والتركيز على حل الخلافات الداخلية بعيدًا عن الأضواء.

هذه المنهجية، التي ترسخت خلال فترة تأسيس المجلس، أصبحت الأساس الذي بنى عليه بشارة رؤيته حول كيفية إدارة القمم السياسية، مما يمنح «المحظورات الثلاثة» وزناً استراتيجياً خاصاً. إنها ليست أفكارًا نظرية، بل خلاصة تجارب عملية في إدارة الأزمات وتوحيد الصفوف في أصعب الظروف.

فلسفة المحظورات الثلاثة في إدارة القمم

يرى المحللون أن نهج عبدالله بشارة في الدبلوماسية الخليجية يرتكز على فهم عميق لطبيعة العمل السياسي المعقد. فإدارة القمم ليست مجرد مسألة تنظيم لوجستي أو ترتيب جدول أعمال، بل هي عملية سياسية دقيقة تتطلب مراعاة العديد من العوامل وتجنب الأخطاء التي قد تؤدي إلى فشل المباحثات.

وبحسب بشارة، هناك ثلاثة محظورات أساسية يجب على القادة تجنبها لضمان تحقيق أهداف القمة. وهي:

تجنب الارتجال في الخطابات والتصريحات

القمم السياسية تتطلب إعدادًا مسبقًا دقيقًا لكل كلمة وموقف. الارتجال، على الرغم من أنه قد يبدو عفويًا، يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم دبلوماسي، أو تصريحات غير دقيقة، أو حتى إهانة غير مقصودة لأحد الأطراف. يجب أن تكون الخطابات والتصريحات مدروسة بعناية، وتراعي الحساسيات السياسية والثقافية.

إبعاد الخلافات الثنائية عن القاعات الرئيسية

طرح القضايا الخلافية الثنائية في القمم الجماعية يعتبر من أكبر الأخطاء التي يمكن أن ترتكب. فالقمم تهدف إلى تعزيز التعاون والتوافق بين جميع الأطراف، وليس إلى تحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات الثنائية. يجب حل هذه الخلافات في الغرف المغلقة، من خلال المفاوضات المباشرة والسرية، قبل طرحها على طاولة المفاوضات الجماعية.

الابتعاد عن التصعيد الإعلامي

الحفاظ على سرية المداولات وعدم تحويل القاعات إلى منابر للتراشق الإعلامي هو ركيزة أساسية لنجاح أي تجمع قادة. فالإعلام يمكن أن يلعب دورًا بناءً في تغطية القمم، ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة مسؤولة وموضوعية، وأن تحترم خصوصية المداولات. التصعيد الإعلامي يمكن أن يعقد المفاوضات، ويزيد من حدة التوترات، ويؤدي إلى فشل القمة.

الأهمية الاستراتيجية لرؤية بشارة في الوقت الراهن

تكتسب رؤية عبدالله بشارة حول العمل المشترك أهمية مضاعفة في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها الشرق الأوسط والعالم. فمع تزايد التحديات الاقتصادية والأمنية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، تصبح الحاجة إلى قمم ناجحة وفعالة أمرًا مصيريًا.

الالتزام بمعايير إدارة القمم السياسية التي يطرحها بشارة يضمن خروج القمم بقرارات قابلة للتنفيذ، تعزز من الاستقرار الإقليمي، وتدعم مسيرة التنمية. إن نجاح إدارة القمة يعني بالضرورة نجاحًا في توجيه البوصلة السياسية نحو المصالح العليا للدول والشعوب، وتجنيب المنطقة ويلات الانقسام والصراع.

خلاصة القول

تظل مدرسة عبدالله بشارة الدبلوماسية مرجعًا أساسيًا لفهم آليات العمل العربي والخليجي المشترك. إن رؤيته حول محظورات القمم السياسية ليست مجرد نصائح، بل هي دروس مستفادة من تجربة طويلة وغنية في العمل الدبلوماسي. تذكير دائم بأن النجاح الدبلوماسي يكمن في التفاصيل، وفي احترام القواعد غير المكتوبة التي تحكم العلاقات بين الدول، وفي إعطاء الأولوية للمصالح المشتركة على المصالح الفردية. ندعو القارئ الكريم لمشاركة هذا المقال مع المهتمين بالشأن الدبلوماسي والسياسي، ونتطلع إلى قراءة آرائكم وتعليقاتكم حول هذا الموضوع الهام.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version