في عالمٍ غالبًا ما يركز على احتياجات البشر، تبرز مبادرات إنسانية رائعة تتجاوز ذلك لتشمل الكائنات التي تشاركنا هذا الكوكب. إن الرعاية بالحيوانات الضالة ليست مجرد فعل عاطفي، بل هي تجسيد للقيم الإنسانية النبيلة، وتعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الرفق بالحيوان. يشهد العديد من المجتمعات العربية، وخاصةً المدن الكبرى، ارتفاعًا في عدد الحيوانات السائبة، مما يدفع شبابًا وفتيات إلى تبني مبادرات فردية وجماعية لتقديم المساعدة والعلاج لهذه الكائنات المحتاجة.
قصص ملهمة في مجال الرعاية بالحيوانات الضالة
تتعدد القصص المؤثرة لأفراد انطلقوا بدافع الحب والرحمة لتقديم يد العون للحيوانات الضالة. سارة عبدالفتاح، مثال حي على ذلك، حيث حوّلت غرفة في منزلها إلى عيادة صغيرة لعلاج الحيوانات المصابة. لم يكن هذا العمل وليد اللحظة، بل هو امتداد لتربية نشأت عليها في كنف عائلتها.
جذور العطاء في الطفولة
تقول سارة: «بدأت قصتنا مع الحيوانات الأليفة منذ الطفولة، فأنا أكبر إخوتي السبعة، وأصغرنا في الصف السادس الابتدائي، كنا نرى والدي ووالدتي يساعدان الحيوانات الأليفة في حينا، ويجلبانها للمنزل ويساعدانها بتلقي العلاج، وما إن امتلك والدي بيتا كبيرا، حتى خصص جزءا من المنزل حجرة مجهزة للعلاج والرعاية، ذلك الشيء نمّى فينا أنا وإخوتي العطف على الحيوانات». هذا العطف والاهتمام المتواصل من الوالدين زرع بذور الخير في نفوس أبنائهم، وحفزهم على الاستمرار في هذا العمل الإنساني.
التعاون يثمر الخير
لم يقتصر دور سارة على تقديم الرعاية وحدها، بل تجسد التعاون المثمر حينما انضم إليها طبيب بيطري، كان يتردد عليها لعلاج قططها الشاردة. وعندما أدرك الطبيب أن هذا العمل ليس بغرض الربح، بل هو عمل تطوعي خالص، قرر أن يشارك في هذا المشروع الخيري بتقديم العلاج بمبلغ رمزي. هذا الدعم المهني ساهم في توسيع نطاق المساعدة المقدمة، وتلقي سارة وأشقائها المزيد من الحالات التي تحتاج إلى رعاية.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته هذه المبادرة، إلا أن سارة فضلت عدم التوسع في نطاقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خوفًا من زيادة حجم الطلبات بشكل يفوق قدرتها وقدرة عائلتها. «ستزيد المهمات ونحن مشغولون ولن نستطيع تلبية حاجة كل من يراسلنا، لذا قررنا أن نبقي المشروع بين الأقرباء والجيران، ولم نستطع أن نلبي كل الطلبات، فأعداد كبيرة من القطط تفد إلينا»، توضح سارة.
مبادرات شبابية لإنقاذ الحيوانات
بينما اختارت سارة التركيز على نطاق محدد، اتجهت بشاير الصمداني نحو الاستفادة من قوة وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع دائرة المساعدة الحيوانية. أنشأت بشاير حسابًا تطوعيًا يهدف إلى رعاية الحيوانات المحتاجة، ورأت في هذا المشروع فرصة لتحقيق خطوة إنسانية في مجتمعها.
سد الفراغ في مجال الرعاية
تحكي بشاير عن الدافع وراء هذه المبادرة: «بدأت الفكرة عندما وجدنا حسابات لأربعة فرق تطوعية تهتم بالحيوانات الأليفة في الرياض والدمام ولا يوجد مثلها في جدة، فقررنا أنا وصديقتي إنشاء حساب تطوعي للاهتمام بالحيوانات الأليفة، ومن باب الصدفة أيضا وجدنا حسابا رسميا على تويتر يتبنى الحيوانات الأليفة، خصوصا القطط المنزلية التي يقوم أصحابها برميها في الشارع، وبعد علاجها يعرضها لمن يرغب في التبني، فتعاملنا معه تطوعا، وبسبب انشغاله الدائم فكرنا أن نخفف الضغط عليه قليلا بإنشاء «مجموعة» خاصة لي أنا وصديقتي».
بناء فريق متكامل
لم يقتصر الأمر على مجرد إنشاء حساب، بل تطور المشروع ليشمل إنشاء مأوى منزلي للقطط، بمساعدة فريق متطوع يضم الآن ستة أفراد. يقوم الفريق بجمع القطط من الشوارع، ونقلها إلى العيادة لتلقي العلاج اللازم، ثم عرضها للتبني. وقد لاقت مبادرة بشاير ترحيبًا واسعًا، وتلقوا دعمًا ماليًا ومعنويًا من العديد من المتبرعين.
أهمية دعم مبادرات الرعاية بالحيوانات الضالة
إن هذه القصص الملهمة تؤكد على أن الرعاية بالحيوان ليست مجرد مسؤولية الحكومات والمنظمات الكبيرة، بل هي دعوة للجميع للمشاركة في هذا العمل الإنساني. من خلال دعم هذه المبادرات الفردية والجماعية، يمكننا أن نساهم في تخفيف معاناة الحيوانات الضالة، وتحسين جودة حياتها.
طرق المساهمة في دعم الحيوانات الضالة
هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها دعم هذه المبادرات، بما في ذلك:
- التبرع المالي: للمساعدة في تغطية تكاليف العلاج والغذاء والمأوى.
- التطوع بالوقت والجهد: للمساعدة في جمع الحيوانات، ونقلها إلى العيادة، ورعايتها في المأوى.
- التبني: لمنح الحيوان الضال منزلًا دائمًا وحياة كريمة.
- نشر الوعي: لتشجيع الآخرين على المشاركة في هذا العمل الإنساني.
إن الرفق بالحيوان جزء لا يتجزأ من إنسانيتنا، ومبادرات مثل تلك التي تقوم بها سارة وبشاير وأصدقاؤهما هي دليل على أن العاطفة والحب يمكن أن يقودا إلى عمل الخير الكثير. فلنكن جميعًا جزءًا من هذا التغيير الإيجابي، ولنساهم في بناء مجتمع أكثر رحمة وإنسانية تجاه جميع الكائنات الحية.


