يشهد المشهد السياسي الدولي تحولات عميقة، وتحديداً فيما يتعلق بحركات الإسلام السياسي. يتردد مصطلح “زلزال ترمب” في الأوساط الإعلامية والتحليلية، ولا يشير هذا المصطلح إلى شخص الرئيس الأمريكي السابق فحسب، بل إلى النهج السياسي الذي تبناه، والذي كان له تأثير كبير على مستقبل العديد من التنظيمات، وعلى رأسها الإخوان المسلمين. هذا المقال يتناول بالتفصيل الوضع الحالي للجماعة، والتحديات التي تواجهها في ظل هذه التحولات، مع التركيز على تأثير السياسات الأمريكية المحتملة.
السياق التاريخي والسياسي للعلاقة بين الإخوان والسياسة الأمريكية
لطالما كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وحركات الإسلام السياسي معقدة ومتغيرة. في العقود الماضية، اتبعت واشنطن سياسة “الاحتواء” تجاه هذه الحركات، مع التركيز على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتجنب المواجهة المباشرة. ومع ذلك، شهدت فترة رئاسة دونالد ترمب تحولاً جذرياً في هذا النهج.
لم تعد الإدارة الأمريكية ترى في “الاحتواء” حلاً فعالاً، بل بدأت في تبني سياسة أكثر صرامة تقوم على “المواجهة والضغط”. وقد تجلى ذلك في التلويح المستمر باحتمالية تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وهو ما أثار قلقاً بالغاً في صفوف الجماعة وأذرعها في الغرب. هذا التهديد لم يكن مجرد كلام، بل أدى إلى تجميد أصول بعض الكيانات المرتبطة بالجماعة وتقييد تحركاتها.
التحالفات الإقليمية وتضييق الخناق على الجماعة
لم تكن السياسات الأمريكية المتشددة تجاه الإخوان المسلمين تحدث في فراغ. بل جاءت متزامنة مع رؤية إقليمية مماثلة لدى دول مؤثرة في الشرق الأوسط، مثل مصر والسعودية والإمارات. هذه الدول تعتبر الجماعة تهديداً لأمنها واستقرارها، وتصنفها بالفعل كمنظمة إرهابية.
لقد أدى هذا التوافق في الرؤى بين واشنطن (في ظل ترمب) والدول العربية إلى تضييق الخناق على الجماعة بشكل غير مسبوق. فقد جفت منابع التمويل التي كانت تعتمد عليها، وتقليص الملاذات الآمنة التي كانت توفر لها الحماية. حتى الدول التي كانت تقدم دعماً سياسياً للجماعة في الماضي، بدأت في إعادة النظر في سياساتها، خوفاً من التعرض لضغوط أمريكية أو إقليمية.
دور مصر والسعودية والإمارات في الضغط على الجماعة
تلعب هذه الدول الثلاثة دوراً محورياً في الضغط على الإخوان المسلمين على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمصر، التي أطاحت حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي (الذي ينتمي إلى الجماعة)، تعتبر الجماعة تهديداً وجودياً لأمنها القومي. أما السعودية والإمارات، فقد اتهمتا الجماعة بالتحريض على العنف وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الأزمات الداخلية وتأثير الضغط الخارجي على تماسك الجماعة
لم يكن الضغط الخارجي هو العامل الوحيد الذي ساهم في تدهور وضع الإخوان المسلمين. بل تزامن ذلك مع أزمات داخلية عميقة أدت إلى تفاقم الانقسامات بين قيادات الجماعة وأعضائها.
لقد ظهرت جبهات متصارعة داخل الجماعة، مثل جبهة لندن وجبهة إسطنبول، تتنازع على القيادة والشرعية. هذه الانقسامات أضعفت قدرة الجماعة على اتخاذ القرارات وتنفيذها، وجعلتها أكثر عرضة للانهيار. غياب الغطاء الدولي، واحتمالية عودة سياسات ترمب المتشددة، يزيد من صعوبة التماسك وإعادة الهيكلة.
مستقبل الإخوان المسلمين: هل هي النهاية؟
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الحديث عن “زوال الإخوان” ليس مجرد ترويج إعلامي، بل هو قراءة واقعية لمستقبل تنظيم يواجه تحديات وجودية. فاستمرار الضغط الأمريكي المتوقع، بالتوازي مع الرفض الإقليمي والانقسامات الداخلية، يجعل من استعادة الجماعة لمكانتها السابقة أمراً صعباً للغاية.
إن مستقبل الإخوان المسلمين يعتمد بشكل كبير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. فإذا عاد دونالد ترمب إلى السلطة، فمن المرجح أن يستأنف سياساته المتشددة تجاه الجماعة، مما قد يؤدي إلى تفككها أو تحولها إلى تنظيم سري. أما إذا فاز مرشح ديمقراطي بالرئاسة، فقد تشهد الجماعة بعض التخفيف في الضغوط، ولكنها ستظل تواجه تحديات كبيرة في ظل الرفض الإقليمي المستمر.
الوضع الراهن يشير إلى أن الإخوان المسلمين يواجهون أصعب مراحلهم في تاريخهم الحديث. فهل ستتمكن الجماعة من التغلب على هذه التحديات والبقاء على قيد الحياة؟ أم أن “زلزال ترمب” سيكون بمثابة الضربة القاضية التي تؤدي إلى زوالها النهائي؟ هذا ما ستكشفه السنوات القليلة القادمة.
الكلمات المفتاحية: الإخوان المسلمين، دونالد ترمب، السياسة الأمريكية، حركات الإسلام السياسي، الشرق الأوسط، الجماعات الإرهابية.


