لندن – تحمل كل بقعة من أرض فلسطين رموزا للنضال تجسد ارتباط شعبها الأصيل بأرضه وإصراره على حماية هويته الثقافية وتراثه الشعبي جيلا بعد جيل، صونًا له من الطمس والضياع، وحفاظا على العادات والتقاليد من الاندثار. وعلى مدى عقود، سعى الاحتلال إلى إسكات الصوت الفلسطيني بمختلف الوسائل، في محاولة لإنكار حق الشعب في أرضه وتاريخه.

ورغم ذلك، ظل الفلسطينيون متمسكين برموز تعبر عن كفاحهم من أجل الهوية الوطنية، تمامًا كما تبقى أزهار الزعتر البري وأشجار الزيتون شاهدة على صمودهم وجذورهم الضاربة في عمق الأرض.

مفتاح العودة.. رمز المقاومة وروح الانتصار

يُعد المفتاح الفلسطيني، أو ما يُعرف بمفتاح العودة، رمزا قويا يخلّد تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى أراضيهم التي هُجّروا منها قسرا عقب نكبة عام 1948، حين ارتكب الاحتلال عمليات قتل وتهجير جماعي طالت أكثر من 750 ألف فلسطيني أُجبروا على مغادرة بيوتهم.

وتنبع رمزية هذا المفتاح من احتفاظ اللاجئين بمفاتيح منازلهم القديمة والمقتنيات التي اصطحبوها معهم منذ لحظة التهجير إيمانا منهم بأن غيابهم سيكون قصيرا، وأنهم سيعودون قريبًا إلى أرضهم وبيوتهم.

ولم تقتصر دلالة المفتاح على اللاجئين وحدهم، بل امتدت لتشمل جميع الفلسطينيين، إذ بات رمزا للحق والكرامة والانتماء العميق إلى الأرض الفلسطينية.

لذا أصبح عرفا وتقليدا أن تتوارث العائلات الفلسطينية مفاتيح العودة، وما زال الكثير من سكان مخيمات الضفة وغيرها يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي أحضروها معهم عام النكبة، في حين سلّم من وافاهم الأجل مفتاحه إلى أبنائه وأحفاده. وغالبًا ما توجد نسخ مكبرة من مفتاح العودة حول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

كما أصبح يستخدم مفتاح فلسطين في المظاهرات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي حول العالم تعبيرا عن الأمل، وبات ينافس الكوفية في الدلالة على الهوية الفلسطينية، فالمفتاح بالنسبة لهم يحمل حب الوطن والتعلق بالسكن وحلم العودة إليه.

ويوجد أكبر مجسم لمفتاح العودة داخل الحي الثقافي (كتارا) بالعاصمة القطرية الدوحة، والذي يبلغ طوله 7.8 أمتار ووزنه 2.7 طن وعرضه 2.8 متر، وصُمم تحت إشراف قطري. وبعد أن استوفى جميع الشروط الخاصة، تم تسجيل هذا الرقم القياسي ضمن موسوعة غينيس العالمية كأكبر مفتاح في العالم.

الكوفية الفلسطينية بطاقة هوية وتعريف بالقضية

لم تعد وشاحا تقليديا بلونها الأبيض ونقوشها السوداء رمزا للفلسطينيين فحسب، بل باتت رمزا عالميا عابرا للحدود، ورمزًا لرفض الاستعمار ومقاومة الاحتلال الغاشم.

الكوفية التي كان يرتديها الفلاحون قديمًا لحمايتهم من الظروف المناخية القاسية، مثل أشعة الشمس الحارقة والعواصف الرملية، تحولت مع مرور الوقت إلى رمز نضالي، إذ أصبح المتظاهرون يلفونها حول أعناقهم أو يستخدمونها لتغطية وجوههم في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين حول العالم.

وقد ارتبطت الكوفية ارتباطًا وثيقا بالرمز الوطني الفلسطيني بفضل الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي ارتداها في إطلالاته السياسية، ولا سيما خلال خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 لتصبح منذ ذلك الحين أيقونة للمناضلين الفلسطينيين. ومنذ النكبة عام 1948، ارتداها المتظاهرون في كل انتفاضة شعبية بمواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي.

People participate in the demonstration called by the Palestinian community and young Palestinians in Italy in solidarity with the resistance in Palestine, against the Israeli government's aggression in Jenin, carrying banners, Palestinian flags and Keffiyeh on July 07, 2023 in Rome, Italy. (Photo by Andrea Ronchini/NurPhoto via Getty Images)

وتُعرف الكوفية لدى الفلسطينيين بعدة أسماء منها “الحَطّة” و”الوشاح”. وبينما ارتبط ارتداؤها قديما بالفلاحين، كانت الطبقات الوسطى والعليا تفضّل “الطربوش”. لكن هذا الأمر تغير بعد الانتفاضة الفلسطينية عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني، حين اتخذت الجماعات الفلسطينية المسلحة -التي كان معظم أفرادها من الفقراء- الكوفية زيا رسميا. الأمر الذي سهّل على القوات البريطانية تمييزهم، مما دفع قادة المقاومة إلى دعوة جميع الرجال الفلسطينيين للتخلي عن الطربوش وارتداء الكوفية تضامنا ووحدة للصفوف.

الدبكة الفلسطينية.. نضال من نوع آخر

تعدّ الدبكة الشعبية موروثا يلازم الفلسطينيين في أعراسهم وأفراحهم، ويحرصون على توريثه من جيل إلى آخر خوفا عليه من الضياع، وحفاظا على هويتهم من الاندثار. وتعدّ الدبكة إحدى أهم صور هذا التراث الذي يستند إلى إرث فني وثقافي يمتد زمنا طويلا عبر التاريخ.

تعود الدبكة الفلسطينية إلى طقوس الزراعة القديمة، حيث كانت الأيادي تتشابك للعمل وكان الفلاحون يرقصون في الحقول وقت حصاد الأرض تعبيرا عن فرحهم بما أنجزوه في ظل تعب جماعي.

وجاء في موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) أن الدبكة الشعبية قبل الاحتلال أخذت طابعا احتفاليا ثم أصبحت رمزا من رموز النضال الوطني بعد نكبة 48، لتأخذ شكلا منظما منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين.

وأصبح العمل على هذا النوع من التراث يتم بشكل مُنسق بهدف نقل ثقافة الشعب الفلسطيني وتراثه للمحافل العربية والعالمية. يذكر أن الدبكة الفلسطينية من أقدم الدبكات في المنطقة، وقد أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ضمن لائحتها للتراث غير المادي للبشرية عام 2023.

أغاني الدبكة تذكّر بخصال الأرض

وترتبط الدبكة الفلسطينية بأناشيد وطنية كالحنين إلى الدار وما حل بالشعب الفلسطيني من تهجير وقتل ونكبة وترحيل قسري. والمتأمل في حركات الدبكة يشعر برمزيتها النضالية الرائعة، فتشابك الأيادي دليل الوحدة والتضامن، وضرب الأرجل بالأرض دلالة على العنفوان والإصرار، ترافقها أغان تعبر عن عمق الانتماء للأرض الفلسطينية التي يعشقها هؤلاء.

وتعتمد رقصات الدبكة على الإيقاع الجماعي، والتزامن الدقيق والتناغم المنضبط بين خطوات الراقصين، ويرتدي المؤدون خلالها ثيابا شعبية فلسطينية مستوحاة من ألبسة الريف التقليدي، وفيها تتشابك أيدي الراقصين وتهتز أكتافهم، ثم تروح أقدامهم وتجيء يُمنة ويسرة تضرب وجه الأرض، مما يشعل حماس الجمهور ويجعلهم عادة ينضمون إليهم في الأداء والرقص.

للدبكة قائد يتمركز عادة في أقصى يسار الصف، يمسك في يده اليمنى مسبحة أو عصا صغيرة، وقد ينفصل أحيانًا عن الصف ليتقدم أمامه مؤديًا حركات فردية، ليقوم الراقصون من خلفه بتكرارها.

حاول الاحتلال الإسرائيلي طمس الهوية الفلسطينية ومحو تعبيراتها الثقافية عبر السطو على الدبكة الشعبية ونسبها إلى “إسرائيل” من خلال ترجمة كلمات بعض أغانيها إلى العبرية وسرقة ألحانها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل.

ورغم ذلك، ظلت الدبكة الفلسطينية حاضرة بقوة، محافظة على مكانتها في جميع المناسبات الوطنية والاحتفالات والمهرجانات داخل فلسطين وخارجها، لتبقى إحدى أيقونات التراث الفلسطيني الحي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version