تواصل السلطات التركية جهودها للكشف عن ملابسات حادث تحطم الطائرة الخاصة التي سقطت في منطقة هايمانـا بولاية كارامانلو في 30 ديسمبر 2025، وعلى متنها مسؤولون ليبيون وطاقم فرنسي. وتتركز الجهود حاليًا على تحليل الصندوق الأسود للطائرة، والذي تم العثور عليه في مكان الحادث، وذلك بمساعدة دولية متوقعة، وعلى رأسها ألمانيا. يكتسب هذا التحقيق أهمية خاصة نظرًا للظروف السياسية الحساسة في ليبيا، وزيارة المسؤول الليبي الراحل، محمد الحداد، لأنقرة قبل أيام قليلة من الحادث.
تفاصيل استعادة الصندوق الأسود والتعاون الدولي
أكد المكتب الاتحادي الألماني للتحقيق في حوادث الطيران تلقيه طلبًا رسميًا من الجانب التركي للمساعدة في قراءة بيانات مسجلات الصندوق الأسود. وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان السلطات التركية عن إسناد مهمة التحقيق إلى دولة محايدة، مع ترجيح كبير أن تكون ألمانيا.
وكشف المكتب الألماني أنه على تواصل مباشر مع هيئة التحقيق في حوادث الطيران التركية، وقد طلب الحصول على صور عالية الدقة من المسجلات لتقييم قدراته التقنية على استخلاص البيانات منها. وبمجرد التأكد من هذه القدرة، سيتم نقل المسجلات إلى ألمانيا، حيث سيتم تحليلها في مختبرات متخصصة. وشدد المكتب على أن جميع البيانات المستخرجة ستعاد إلى الجانب التركي، الذي يمتلك الصلاحية الحصرية في إجراء التحليل النهائي وتقديم النتائج الرسمية.
بالإضافة إلى ألمانيا، أشارت تقارير إخبارية إلى طلب المساعدة من المملكة المتحدة في التحقيقات. هذا التعاون الدولي يعكس التعقيد التقني والسياسي للحادث، وأهمية الوصول إلى نتائج دقيقة وشفافة.
فحص الأسباب الأولية: استبعاد التخريب ورجحان العطل الفني
تشير التحقيقات الأولية التي تجريها السلطات التركية إلى استبعاد فرضية وجود عمل تخريبي وراء حادث التحطم. السيناريو الأكثر ترجيحًا حاليًا هو وجود عطل فني مفاجئ في الطائرة. وقد أكد برهان الدين دوران، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن الطائرة أبلغت عن هذا العطل وطلبت بشكل عاجل إجراء هبوط اضطراري قبل فقدان الاتصال بها.
هذا الإعلان الأولي يوفر بعض المؤشرات حول طبيعة الحادث، لكن التحقيق الشامل في الصندوق الأسود والمسجلات الأخرى سيساعد في تحديد السبب الجذري بدقة أكبر. ففحص سجلات الطيران وأجهزة الاستشعار والصوت داخل قمرة القيادة سيقدم صورة مفصلة للأحداث التي سبقت الحادث.
ويرجى التنويه إلى أن هذه مجرد استنتاجات أولية، والتحقيق لا يزال جاريًا للكشف عن كافة ملابسات الحادث.
مسار الرحلة والضحايا
كانت الطائرة من طراز “فالكون 50” قد انطلقت من مطار أنقرة إيسنبوغا الدولي متجهة إلى طرابلس في ليبيا. وبعد حوالي 40 دقيقة من الإقلاع، فقد الاتصال بالطائرة، وتم العثور على حطامها بالقرب من قرية كسيك كافاك في قضاء هايمانـا.
وأسفر الحادث المأساوي عن وفاة جميع من كانوا على متن الطائرة، وهم:
- محمد الحداد، وهو مسؤول ليبي بارز.
- محمد العساوي دياب، مستشار الحداد.
- اللواء الفيتوري غريبيل.
- المستشار محمود القيطوعي.
- المصور محمد عمر أحمد محجوب.
- ثلاثة أفراد من طاقم الطائرة من الجنسية الفرنسية.
هذه الخسارة تمثل صدمة كبيرة لليبيا، خاصةً في ظل الوضع السياسي الهش الذي تعيشه البلاد.
الزيارة الأخيرة لأنقرة وعلاقات ليبيا التركية
تكتسب زيارة محمد الحداد لأنقرة في 23 ديسمبر 2025، والتي التقى خلالها برئيس أركان الجيش التركي سلجوق بيرقدار أوغلو، أهمية خاصة في سياق التحقيقات. وقد أشارت التقارير إلى أن هذه الزيارة جاءت بهدف تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط أنقرة بحكومة الوحدة الوطنية الليبية المدعومة من الأمم المتحدة.
وقد أثار توقيت الزيارة، وقربها من موعد الحادث، بعض التساؤلات. ولكن حتى الآن، لا يوجد دليل قاطع على وجود أي رابط بين الزيارة والتحطم. ومع ذلك، ستنظر السلطات التركية في هذا الجانب كجزء من التحقيق الشامل.
الوضع السياسي في ليبيا والآثار المحتملة
تأتي هذه الحادثة في وقت تعاني فيه ليبيا من حالة انقسام سياسي عميق، حيث توجد حكومتان متنافستان: حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا في طرابلس، وحكومة ثانية تتمركز في الشرق وتتمتع بدعم من البرلمان والمشير خليفة حفتر. ويشكل هذا الانقسام عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الاستقرار والازدهار في البلاد.
إن فقدان شخصيات بارزة مثل محمد الحداد قد يزيد من تعقيد الوضع السياسي ويؤثر على مساعي الحوار والمصالحة الوطنية. من المهم أن يتم التحقيق في هذا الحادث بشفافية ونزاهة، وأن يتم تقديم جميع الحقائق للرأي العام. تحليل الصندوق الأسود سيكون حاسمًا في هذا الصدد.
خلاصة وتوقعات مستقبلية
حادث تحطم الطائرة في تركيا هو مأساة أثرت بشدة على ليبيا. الجهود المستمرة لتحليل الصندوق الأسود، بمساعدة دولية، تمثل خطوة حاسمة نحو تحديد سبب الحادث وكشف كافة الملابسات. من المتوقع أن تستغرق عملية التحقيق بعض الوقت، نظرًا للتعقيد التقني والسياسي للحادثة.
يبقى الأمل معلقاً على أن تسفر هذه التحقيقات عن نتائج واضحة تساهم في منع تكرار مثل هذه الحوادش في المستقبل، وأن تدعم جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا. تابعونا لمواكبة آخر التطورات في هذا الموضوع.


