في لبنان، حيث تصطدم آمال المهاجرين بواقع مليء بالتحديا.. تعيش مئات العاملات المهاجرات من دول أفريقية وآسيوية واقعا يوصف بأنه مرير، تحت وطأة الاستغلال المهني، إلى جانب تبعات حرب مدمرة استمرت أكثر من عام. هذا الواقع دفع كثيرات منهن إلى السعي للعودة إلى أوطانهن بأي وسيلة ممكنة.
ووسط هذا الواقع، نجد “إيساتا باه”، العاملة المهاجرة من سيراليون، وهي تحتضن طفلتها الصغيرة “بليسينغ” في ملجأ مزدحم بضاحية الحازمية شرقي بيروت. إيساتا البالغة من العمر 24 عاماً، تقضي أيامها في انتظار الحصول على تأشيرة خروج تمكنها من العودة إلى وطنها في غرب إفريقيا، ليلئم شملها مع أسرتها بعد معاناة طويلة وصفتها بأنها مليئة بالاستغلال والعنف الجنسي، إضافة إلى أهوال الحرب الأخيرة في لبنان.
ووصلت باه إلى لبنان عام 2022 بعد أن وُعدت بوظيفة مستقرة في أحد المتاجر مقابل راتب شهري قدره 200 دولار. ولكنها، كحال كثيرات غيرها، وجدت نفسها تعمل خادمة منزلية في ظروف قاسية. وبعد شهر واحد فقط من وصولها، تلقت خبر وفاة ابنها الذي لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، في سيراليون.
وقد تدهورت أوضاعها أكثر عندما تعرضت للعنف الجنسي من قبل مجموعة من الرجال أثناء محاولتها الهروب من مكان عملها. وتضيف: “لقد كانوا يحتفلون وكأننا غنائم”. ونتيجة لهذا الاعتداء، أصبحت باه حاملاً بطفلتها الحالية، بلسينغ، التي تراها اليوم مصدر الأمل الوحيد في حياتها.
ومع اشتداد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، أصبحت حياة المهاجرات أكثر خطورة. ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد قُتل ما لا يقل عن 37 عاملاً مهاجراً وأُصيب 150 آخرون بسبب القصف الإسرائيلي الذي طال بيروت وضواحيها.
تركت باه مقر إقامتها في الضاحية الجنوبية، وذهبت هي وطفلتها سيراً على الأقدام، في مسعى للنجاة من القصف العنيف.
وفي هذه الظروف، وجدت باه مأوى في مبنى مهجور في منطقة الحازمية شرقي بيروت، تم تحويله إلى ملجأ من قبل متطوعين ومنظمات إنسانية.
تقول ديا حاج شاهين، إحدى الناشطات المسؤولات عن الملجأ: “لقد استقبلنا أكثر من 200 امرأة من سيراليون، وكان علينا تأمين تصاريح خروج ومستندات سفر للأطفال المولودين هنا”.
لكن التحديات لم تنتهِ عند هذا الحد. فما زال أكثر من 10,000 مهاجر ومهاجرة ينتظرون المساعدة للعودة إلى أوطانهم، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، بينما تمكنت 400 عاملة فقط من العودة حتى الآن.
وبالنسبة لإيساتا باه، ما زال الأمل قائماً. فهي ترجو أن تحصل قريباً على الوثائق اللازمة للسفر مع طفلتها، وتقول: “أريد العودة إلى وطني لمواصلة تعليمي. كنت دائماً أحلم بأن أكون طالبة في مجال علوم الحاسوب”. تقول ذلك وهي تنظر إلى طفلتها الصغيرة، وتضيف: “الآن لدي سبب أقوى للنجاح”.
ووسط هذا الواقع القاسي الذي تعيشه العديد من العاملات المهاجرات، هناك من حصلن على فرص أفضل، ويعشن في ظروف مريحة. وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة، تشير بعض الإحصائيات إلى أن هناك عاملات مهاجرات يعملن لدى أسر ميسورة الحال في بيروت، حيث يتمتعن برواتب مجزية تصل إلى 700 دولار شهريًا، بالإضافة إلى إجازات أسبوعية، وبيئة عمل تحترم حقوقهن الإنسانية. وتضيف التقارير أن بعض الخادمات يرسِـلـن الأموال لأسرهن في سيراليون بصفة منتظمة، ويحصل أطفالهن على تعليم جيد، ومنهن من يفضلن الادخار، من أجل بدء مشاريع صغيرة عند عودتهن إلى بلادهن.
هذا التباين الكبير في مصير العاملات المهاجرات يسلط الضوء على تفاوت الفرص والظروف التي يواجهنها في لبنان، بين من يعشن في كنف الاستغلال والمعاناة، ومن يتمتعن بحياة كريمة مليئة بالأمل والاستقرار.