تتصاعد حدة الأزمة الإنسانية والأمنية في جنوب كردفان بالسودان، حيث بات الإقليم على شفا كارثة تهدد حياة المدنيين وتعمق الصراع الدائر في البلاد. يشير تقرير لصحيفة “تايمز” البريطانية إلى أن المنطقة أصبحت في مرمى نيران القوات شبه العسكرية، وخاصة قوات الدعم السريع، التي حققت مكاسب ميدانية تعزز موقفها في الحرب الأهلية. هذا التقدم يهدد بتحويل كردفان إلى ساحة قتال رئيسية ونسخة مكررة من المأساة التي شهدتها الفاشر.
تدهور الأوضاع في جنوب كردفان: حصار كادوقلي والمخاوف المتزايدة
تشهد مدينة كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في السودان. أعلنت الأمم المتحدة رسميًا عن وجود مجاعة في المدينة بحلول سبتمبر الماضي، مما يعكس شح الموارد الحاد وانعدام الأمن الغذائي. الوضع يتفاقم مع استمرار الحصار الذي تفرضه الفصائل المسلحة المتحالفة مع قوات الدعم السريع، والتي تسيطر على المرتفعات المحيطة بكادوقلي، بالإضافة إلى وجود قوات الدعم السريع نفسها على أطرافها.
في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة السودانية، ممثلة بالجيش، الحفاظ على سيطرتها على المدينة، يجد المدنيون أنفسهم عالقين في براثن العنف، يتعرضون للقصف المستمر ونقص حاد في الدواء والغذاء. شهادات السكان التي نقلتها صحيفة “تايمز” تؤكد أن كادوقلي محاصرة بشكل فعلي، حيث أُغلق طريق الإمداد الرئيسي منذ 18 شهرًا، مما دفع الأسعار إلى مستويات قياسية تفوق قدرة أغلب الأسر.
شبح الفاشر يطارد المنطقة
يزيد من القلق المشهد المأساوي الذي شهدته مدينة الفاشر في دارفور، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم حرب مروعة، شملت إعدامات جماعية واغتصابًا منهجيًا. صور الأقمار الصناعية كشفت عن وجود مواقع دفن جماعي، بينما أفاد مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل أن عمليات القتل في الفاشر كانت واسعة النطاق ومنهجية، وقد تصل حصيلة القتلى إلى عشرات الآلاف.
هذه المعطيات تثير مخاوف جدية من تكرار نفس السيناريو في جنوب كردفان، خاصة مع استمرار تقدم قوات الدعم السريع في الإقليم. هناك خشية حقيقية من أن تقع المنطقة في دوامة عنف لا تقل بشاعة عما حدث في الفاشر، مع غياب المحاسبة على الجرائم السابقة.
النزوح المستمر وتصاعد العنف
يتردد في أروقة كادوقلي صدى الخوف من تكرار جرائم الفاشر، في ظل التدهور الأمني والإنساني المتسارع. يصف السكان حياتهم بأنها مهددة بالمدفعية الثقيلة والقصف العشوائي، بالإضافة إلى مداهمات تقوم بها قوات موالية للجيش بحثًا عن المتعاونين مع الميليشيات، والتي تتخللها، حسب شهاداتهم، عمليات إعدام خارج نطاق القانون.
خارج كادوقلي، تسيطر قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من كردفان، مما أدى إلى معارك متكررة للسيطرة على المدن الرئيسية والطرق المؤدية إلى جنوب السودان والخارج. هذا الوضع أجبر أكثر من 50 ألف شخص على الفرار من ديارهم منذ أواخر أكتوبر، بحثًا عن الأمان في ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان.
هجوم على مستشفى الدلنج يفاقم الأزمة
أتى مقتل سبعة مدنيين وإصابة اثني عشر آخرين في هجوم بطائرة مسيرة على مستشفى في مدينة الدلنج، شمال كادوقلي، ليؤكد مدى التصعيد في العنف الذي تشهده المنطقة. يظهر هذا الهجوم استهدافًا مباشرًا للبنية التحتية المدنية، وتجاهلاً تامًا لحياة الأبرياء. يؤكد شهود العيان أن الوضع في الدلنج كارثي، وأن المستشفى يعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية بعد الهجوم.
مستقبل غامض وحاجة ماسة للتدخل الإنساني
تشير جميع المؤشرات إلى أن جنوب كردفان على وشك الانزلاق إلى مرحلة جديدة من الصراع الدامي. مع تقدم قوات الدعم السريع، وتصاعد العنف ضد المدنيين، وتزايد حالة النزوح، يواجه الإقليم خطرًا حقيقيًا بالانهيار الإنساني والأمني.
إن الوضع في جنوب كردفان يستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للمتضررين، والضغط على الأطراف المتناحرة لوقف العنف وحماية المدنيين. كما يجب على الأمم المتحدة إجراء تحقيق شامل في الجرائم التي ارتكبت في الفاشر، ومحاسبة المسؤولين عنها، لمنع تكرارها في مناطق أخرى من السودان، وعلى رأسها جنوب كردفان. الحرب في السودان تحتاج إلى حل سياسي شامل يضمن الأمن والاستقرار للمواطنين، ويحقق السلام العادل والمستدام في البلاد.
وجوب توفير ممرات إنسانية آمنة للسماح بوصول المساعدات إلى المحتاجين أمر حيوي لإنقاذ حياة الأبرياء. إن صمت المجتمع الدولي على ما يجري في جنوب كردفان سيكون له تداعيات وخيمة على مستقبل المنطقة بأكملها.


