نشرت في
يحتفل الإيرانيون اليوم بالذكرى السنوية لاقتحام السفارة الأمريكية في طهران، حيث تجمع العشرات في موقعها السابق مرددين شعارات مثل: “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”.
وقد علّق بعض المشاركين دمى تمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأحرقوا الأعلام الأمريكية والإسرائيلية. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن فعاليات مماثلة أقيمت في مدن وبلدات إيرانية أخرى.
وعلى هامش المسيرات، عُرضت مجسمات لصواريخ إيرانية نُقشت عليها عبارات مناهضة لما وصفوه بـ”الاستكبار العالمي”، إلى جانب نماذج لأجهزة طرد مركزي تُستخدم في تخصيب اليورانيوم.
ومع أن هذه الوقفة تُنظّم سنويًا، إلا أن هذه الذكرى تأتي في ظروف أكثر تعقيدًا، بعد مواجهة عسكرية عنيفة خاضتها طهران في يونيو الماضي مع تل أبيب، استمرت 12 يومًا وانتهت بتدخل الولايات المتحدة بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
كما تأتي هذه الذكرى بعد إعادة مجلس الأمن فرض العقوبات الأممية على الجمهورية الإسلامية، عقب طلب الترويكا الأوروبية تفعيل “آلية الزناد” والعودة لما قبل اتفاقية العمل المشتركة لعام 2015، ما زاد من الضغوط على البلاد التي تواجه أصلاً وضعًا اقتصاديًا صعبًا.
أصل الأزمة: اقتحام السفارة واحتجاز الرهائن
قبل 46 عامًا، وبعد 9 أشهر من قيام ثورة روح الله الخميني ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، اقتحم طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية وسيطروا عليها بعد تجاوزهم الحراس، واحتجزوا 66 رهينة، بينهم دبلوماسيون ومدنيون، مطالبين بتسليم الشاه الذي فرّ إلى الولايات المتحدة وحصل على حماية الرئيس جيمي كارتر لتلقي العلاج.
وقد ردّت الولايات المتحدة على العملية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وفرض عقوبات على واردات النفط الإيراني، وتجميد الأصول الإيرانية.
شكّلت هذه الخطوة منعطفاً حاسماً في المسار الديبلوماسي الإيراني، حيث مثلت لحظة مفصلية انتقلت فيها إيران من كونها حليفة ضمن المعسكر الغربي إلى قطب معادٍ للولايات المتحدة.
ولم يكن هذا الاحتجاز مجرد حدث عابر، بل كان إعلاناً صريحاً بالقطيعة مع الماضي، كما أسهم بشكل كبير في ترسيخ شرعية قائد الثورة وتعزيز نفوذه على الصعيدين المحلي والدولي.
ويرى بعض المراقبين أن أزمة الرهائن كانت عاملًا رئيسيًا في خسارة جيمي كارتر للانتخابات الرئاسية، ووصول رونالد ريغان إلى الحكم، مع انتشار شائعات عن تواصل فريق ريغان الانتخابي مع الإيرانيين لضمان عدم إطلاق الرهائن قبل الانتخابات، وهو ما نفاه ريغان بشكل قاطع.
كيف أطلق سراح الرهائن؟
في اليوم نفسه من اقتحام السفارة، تمكن ستة دبلوماسيين أمريكيين من الهرب واختبأوا في منزل الدبلوماسي الكندي جون شيرون، ثم منحهم رئيس الوزراء الكندي جو كلارك جوازات سفر كندية ليتمكنوا من العودة إلى بلادهم جوًا، في حدث بات يعرف باسم “الوثبة الكندية”.
كما أُطلق سراح 14 رهينة من النساء والأمريكيين من أصول أفريقية ومواطنين من دول أخرى، إضافة إلى رهينة واحدة أُفرج عنها لأسباب صحية. وبحلول منتصف صيف 1980، بقي 52 رهينة في قبضة الطلاب.
وقد تعرض بعضهم لمعاملة وصفت بـ” المهينة”، إذ كانوا يُعصبون ويعرضون على كاميرات التلفزيون لمشاهدتهم من قبل الحشود، مع قلة السماح لهم بالكلام أو القراءة أو تغيير ملابسهم، ما سبب إحراجًا للولايات المتحدة التي فشلت محاولاتها الدبلوماسية.
عملية “مخلب النسر” الفاشلة
قرر كارتر، رغم اعتراض مستشاريه، إرسال فريق إنقاذ من النخبة العسكرية لتحرير الرهائن في 24 أبريل 1980، إلا أن العملية فشلت بعد عاصفة رملية عطّلت عدة طائرات هليكوبتر، ما أدى إلى مقتل ثمانية جنود أمريكيين، وهو ما أحدث صدمة على المستوى العسكري والشعبي، وأدى لاستقالة وزير الخارجية آنذاك سايروس فانس.
المفاوضات والوساطة الجزائرية
في سبتمبر 1980، ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق، وجدت الجمهورية الإسلامية نفسها في حاجة إلى إنهاء أزمة الرهائن، فدخلت في مفاوضات مع الولايات المتحدة عبر وساطة جزائرية – حيث كانت الجزائر من أوائل الدول التي اعترفت بشرعية النظام الإيراني الجديد بعد الثورة.
وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاق شامل أُطلق بموجبه سراح الرهائن البالغ عددهم 52 في 20 يناير 1981، بعد ساعات فقط من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد رونالد ريغان.
وجرت عملية الإطلاق تحت الإشراف المباشر لوزير الخارجية الجزائري محمد الصديق بن يحيى وبمشاركة فريق دبلوماسي جزائري متخصص.
وفي المقابل، التزمت الولايات المتحدة بسلسلة من الضمانات شملت: تعهداً بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، وإعادة الأموال الإيرانية المجمدة، ورفع العقوبات الاقتصادية، إلى جانب تجميد أصول الشاه في الولايات المتحدة.
وبذلك انتهت أزمة الرهائن التي استمرت 444 يوماً، تاركةً وراءها شرخاً تاريخياً في العلاقات الأمريكية-الإيرانية، ما زالت تداعياته تتردد حتى يومنا هذا.


