يشهد المسرح، كأحد أقدم أشكال التعبير الإنساني، تحولات غير مسبوقة مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى ساحته. فقد أصبح من الممكن اليوم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس فقط في دعم الإنتاج المسرحي تقنياً، بل أيضاً في صياغة النصوص، وتحليل أداء الممثلين، بل حتى في أداء الأدوار ذاتها عبر روبوتات أو تمثيل افتراضي أو صناعة مشهديات جمالية وتصميم صورها وأشكالها ومؤثرها الصوتي والضوئي

إن أحد أخطر هذه التأثيرات يتمثل في قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد نصوص مسرحية بأساليب أدبية متنوعة، تحاكي أنماط كتّاب كبار أو تبتكر أنماطاً جديدة كلياً، ما يفتح آفاقاً إبداعية غير مألوفة. وهو ما يهدد مهنة الكاتب بالزوال قريباً وحلول الدراماتوج الاصطناعي كبديل للمساحة القادمة من النصوص المسرحية الذكية التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل طرق وأساليب الكتابة والكاتب وما تم تخزينه في هذه البرمجيات من حالات كتابيه تتبع الحالة المطلوبة في الفكرة وطرق التنفيذ الكتابة والحوارات عبر تقنيات التعرف على الفعل المسرحي مما يسمح بتعديل النصوص لتناسب ذوق المتلقي وتكوينه ومكان العرض وفعل العرض ومدرسة الكتابة وأنماطها.

وكما ساهم الذكاء الاصطناعي في الجانب التقني وفي إعداد ملفات العرض وفي تصميم الإخراج، وتحسين إدارة الإضاءة، وعمل الصوت المناسب لعمق اللحظة، والمؤثرات البصرية، وكل ذلك أتاح إمكانات جمالية لم تكن ممكنة من قبل، ونتج عن ذلك مسارح تجريبية يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي كممثل رقمي يتفاعل مع الممثلين البشر وصور عرض مذهلة في تكوينها، ونصوص تطرح تساؤلات فلسفية حول طبيعة الكتابة الذهنية والهوية الفنية.

إن وصول هذا الذكاء الاصطناعي للكاتب ولفكره وإبداعه جعل الأمور تبدو في غاية الارباك لن يعود هناك كاتب، سيختفي إبداعه وسيكون البديل حالة صناعية يتم فيها توليد النصوص ومحاكاة ما سبق كتابته كونيّاً لتقديم موضوعات محدثة بلغات ولهجات مبرمجة مسبقاً وخلق فرص أن يصبح الأمر متداخلاً جدّاً بين الكائن والممكن، بين المبدع الحقيقي والمبدع الصناعي

ورغم هذه الفرص التي قد تتوفر لكتابة سريعة لنصوص عابرة تنسب لغير الذكاء وتسحل بأسماء كتاب مزورين فإن ما يثير فعلاً مخاوف المشتغلين بالمسرح ما يتعلق بفقدان الحس الإنساني في كتابة النص المسرحي وتحول المبدع إلى مُشغّل تقني ودراماتوج يلاحق نصّاً ليس له ما قد يُضعف الروح في النص الذي وأن كان توليده حاليّاً أقل جودة وتمكناً من المنتج الحقيقي، إلا أننا يجب أن نتوقع القادم الملتهم لكل صور الإبداع الإنساني وتحوله لحالة من الصناعة يصبح معها المبدع مجرد دراماتوج ينظم ويرتب ويجمع ويفرق ويعيد ترتيب وتكوين وتجهيز النص بشكل يجعله هو نفسه ترس آلي في مكنة هذا الذكاء.

لقطة الختام:

قد يشكل الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تعزز الإبداع المسرحي في مختلف مجالاته، لكنه يتطلب وعياً نقديّاً لضمان بقائه خادماً للمبدع وإبداعه لا بديلاً عنه.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version