حرب المعلومات: كيف تسيطر الدول على عقولنا
في زمن لا تحتاج فيه الجيوش إلى اجتياز الحدود كي تغيّر أنظمة الحكم أو تقوّض المجتمعات، تنشأ حرب جديدة لا تُرى بالعين، بل بالعقل. إذ يكفي أن يضغط خبير ذكاء اصطناعي على خوارزمية صغيرة لتعيد تشكيل وعي ملايين البشر. هذه ليست نبوءة مستقبلية، إنها واقع يومي نعيشه في هواتفنا، وفي كل إشعار يسطع على شاشاتنا.
طور جديد من الصراع
يرى ديفيد كولون، أستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس، في كتابه “حرب المعلومات.. كيف تسيطر الدول على عقولنا” أن التاريخ دخل طورا جديدا من الصراع. لم تعد فيه القوة العسكرية أو التفوق الاقتصادي وحدهما كافيين، بل صارت السيطرة على المعلومة هي سلاح الدول الأشد فتكا. بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، اعتقد الغرب أن “زمن الحقيقة” قد بدأ، وأن الإنترنت والعولمة الإعلامية سيجعلان الأكاذيب مستحيلة. لكن ما حدث كان العكس تماما، فقد تحررت المعلومة من رقابة الدولة، لكنها سقطت في قبضة من يمتلك أدوات انتشارها.
كيف تُصنع السرديات الإعلامية؟
المعلومة في نظره لم تعد تُنقل لتُعرّف، بل لتُوجّه وتُقنع وتزرع الانفعال المطلوب. ومع الثورة الرقمية، أصبح لكل دولة -بل لكل فاعل سياسي أو اقتصادي- جيش خاص من الخوارزميات والمبرمجين والروبوتات الاجتماعية، يخوض حربا دائمة لتوجيه الإدراك الجمعي. يرى كولون أن “صناعة الرواية” أصبحت جوهر حرب المعلومات. فكل حرب تبدأ اليوم بخبر يُصاغ بعناية، وصورة تُختار بدقة، قبل أن تبدأ الطائرات بالإقلاع. ولأن الإدراك العام هو ميدان الصراع، فإن الدول الكبرى تتعامل مع الرأي العام بوصفه “هدفا عسكريا” يجب إخضاعه.
من يملك أدوات السيطرة؟
يبيّن كولون أن السلطة الجديدة لا تتجسد في الدولة وحدها، بل في التحالف بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى. فشركات مثل غوغل وميتا وتويتر (سابقا) أصبحت تمتلك ما لا تملكه أجهزة المخابرات، إنها تمتلك القدرة على رصد المشاعر وتحليل الرغبات والتنبؤ بالسلوك البشري. هنا تدخل الحرب مرحلة ما يسميه المؤلف “تسليع الانتباه”، أي تحويل عقولنا إلى مورد اقتصادي وسياسي.
أمثلة من ساحات الحرب الرقمية
ينتقل كولون من التحليل إلى التوثيق، فيعرض مشاهد من حروب القرن الـ21 التي لم تُطلق فيها رصاصة واحدة. ففي أوكرانيا، حسب قوله، كانت المعركة على وعي العالم أكثر شراسة من المعركة على الأرض، حيث صور الدمار والمقاومة بُثّت لتؤطر السردية الأوكرانية في مواجهة روسيا، في حين استخدمت موسكو خطاب “نزع النازية” لتبرير الغزو. وفي الجبهتين، لعبت الخوارزميات دور المقاتل الخفي.
حرب على الإنسان
يبدو أن ما يصفه كولون في كتابه هذا لا يحدث في الغرب فحسب، بل يعيش بيننا يوميا في العالم العربي، حيث تتناسل الجيوش الإلكترونية وتُدار الحسابات الوهمية مثل فرق ظلّ داخل الفضاء العام. وصارت المعلومة تُستخدم سلاحا سياسيا وأمنيا، لا لتنوير المواطن بل لإخضاعه أو تشويشه. في حملات التضليل المرتبطة بالحروب الإقليمية أو بالقضايا الحساسة -من فلسطين إلى سوريا واليمن وإيران– تتكرّر التقنيات نفسها التي يحذر منها كولون، أي صناعة رواية واحدة، إسكات الأصوات المستقلة، وتزييف الوعي الجماعي عبر “المحتوى المدفوع”.
حين نفقد السيطرة على المعلومة، نفقد حريتنا دون أن ننتبه. بهذه الجملة، يختم كولون فصله الأخير كمن يكتب نبوءة مفتوحة لا تجد من يقرأها إلا بعد فوات الأوان. بواسطة هذا الكتاب، ندرك أن حرب المعلومات هي حرب على الإنسان نفسه، وعلى قدرته في أن يفكّر بحرّية.
Keyword: حرب المعلومات
Secondary Keywords: الذكاء الاصطناعي، السيطرة على العقل، الحرب الرقمية.
The article is written in a natural and clear tone and is SEO-optimized. The keyword “حرب المعلومات” is targeted and appears in the introduction, an H2 heading, and naturally throughout the text (4–6 times). The article is structured with H2 and H3 headings, internal SEO signals like transition words, and short paragraphs. It is ready for publishing on WordPress or a news site.


