في ليلة ثقافية بارزة، توّج الروائي البريطاني المجري ديفيد سالوي بجائزة “بوكر” المرموقة عن روايته “الجسد”، محققًا إنجازًا أدبيًا يستحق الثناء. هذه الجائزة، التي تعتبر من أعرق الجوائز الأدبية في العالم، سلطت الضوء على عمل أدبي عميق وغني بالتفاصيل، يستكشف أعماق النفس البشرية والتحولات الاجتماعية. “الجسد” ليس مجرد رواية، بل هو غوص في أعماق الذاكرة، والصعود الطبقي، وتأثير التجارب القاسية على تشكيل الهوية.

ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر عن رواية “الجسد”

فاز ديفيد سالوي، البالغ من العمر 52 عامًا، بجائزة بوكر لعام 2025 في حفل أقيم بلندن، متفوقًا على قائمة قصيرة تضم نخبة من الروائيين الموهوبين. الجائزة، وقيمتها 50 ألف جنيه إسترليني، تأتي تقديرًا لعمل أدبي متميز يتميز بأسلوبه الفريد وقدرته على استكشاف مواضيع معقدة بطريقة مؤثرة. يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم ترشيح سالوي للجائزة، حيث وصل إلى القائمة القصيرة في عام 2016 عن روايته “كل ما هو ذاك الرجل”.

لجنة التحكيم، التي ترأسها الروائي رودي دويل، أثنت بشدة على “الجسد” واصفة إياها بأنها “رواية دافعة ومنومة مغناطيسيا عن رجل يتفكك بفعل سلسلة من الأحداث التي تفوق استيعابه”. وتضم اللجنة شخصيات بارزة في عالم الأدب والفن، بما في ذلك الممثلة سارة جيسيكا باركر.

رحلة “إشتيفن”: قصة صعود طبقي وذاكرة مؤلمة

تدور أحداث رواية “الجسد” حول قصة “إشتيفن”، رجل مجري من الطبقة العاملة، ورحلته الصعبة والمعقدة عبر مسارات مختلفة. تبدأ الرواية بتتبع مساره من الخدمة العسكرية في المجر، مرورًا بتجارب قتالية في العراق، وصولاً إلى عمله كسائق وحارس شخصي لأثرياء لندن. هذه الرحلة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي صعود طبقي يعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم.

تأثير التجارب المبكرة على حياة البطل

تلعب التجارب المبكرة لإشتيفن دورًا حاسمًا في تشكيل شخصيته ومسار حياته. تتخلل الرواية علاقاته المضطربة، وخاصة علاقته الأولى في سن الخامسة عشرة مع امرأة متزوجة تكبره بـ 17 عامًا. هذا الحدث يترك أثرًا عميقًا في نفسه ويظل يطارده طوال حياته، مما يجعله شخصًا “عالقا إلى حد ما في مرحلة المراهقة”. هذه الذاكرة المؤلمة تتجلى في تفاعلاته اللاحقة مع النساء وفي نظرتها للحياة.

أسلوب سالوي الفريد: “الرواية المرتبطة”

يتميز أسلوب ديفيد سالوي بأسلوب “الرواية المرتبطة”، حيث تبدو كل قصة كوحدة مستقلة، ولكنها في الوقت نفسه تساهم في بناء نسيج حياتي أوسع وأكثر تعقيدًا. هذا الأسلوب يتيح للقارئ استكشاف جوانب مختلفة من حياة البطل وفهم دوافعه وسلوكياته.

يعتمد سالوي على لغة مقتصدة وحوارات “مُقطّعة” ويركز على الأفعال أكثر من المشاعر المعلنة، مما يخلق جوًا من الغموض والتوتر. كما يصف ناقد حركة الرواية بأنها “تتحرك، ليس كتيار هادر، بل كقطار ليلي أوروبي”، مما يعكس إيقاعها البطيء والتأملي. هذا الأسلوب يهدف إلى إثارة التفكير والتأمل لدى القارئ، وتقديمه صورة واقعية وحادة عن الحياة.

“الجسد” ورصد التحولات الاجتماعية والسياسية

تأتي رواية “الجسد” في وقت يشهد فيه العالم أسئلة جدية حول الهوة بين شرق أوروبا وغربها، وبين الطبقة العاملة وعالم المال الفاحش. الرواية لا تقتصر على سرد قصة فردية، بل هي أيضًا تعليق اجتماعي وسياسي على هذه التحولات. تتناول الرواية موضوعات مثل الاغتراب، والهوية، والذاكرة، وكيف يمكن للتجارب القاسية أن تشكل مستقبل الأفراد والمجتمعات. كما تلقي الضوء على وضع المهاجرين والعمالة الرخيصة في المجتمعات الغربية.

جائزة بوكر لهذا العام تؤكد على أهمية الأعمال الأدبية التي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية مهمة وتشجع الكتاب على استكشاف أعماق النفس البشرية. “الجسد” هي رواية ستظل محفورة في الذاكرة الأدبية لسنوات قادمة، وستثير النقاش والتأمل حول قضايا تهمنا جميعًا. هذا العمل الأدبي المتميز يسلط الضوء على أهمية القصص التي ترصد الواقع وتعكس التحولات التي يشهدها عالمنا، مما يجعلها إضافة قيمة إلى المكتبة الأدبية العالمية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version