مظهر نزار: ريادة الفن التشكيلي اليمني بين الذاكرة والهوية والمقاومة
يقول الفنان البصري مظهر نزار، أحد أبرز رواد وأعمدة حركة الفن التشكيلي في امتداد الحضور اليمني والعربي، ولحظة التأسيس للفن بمحطات ومواقف النضج والإبداع التي ربطته بجماعة الفن التشكيلي وتكويناته: “عندما يتعلق الأمر بمدينة صنعاء، فإن أعمالي تجسد ذكريات المدينة الجميلة، مجسدة بألواني المائية، فهذه الوسيلة مثالية للعمل مع الموضوع”. يُمثل نزار، بتجربته الغنية والممتدة لأربعة عقود، قامة فنية يمنية أصيلة، استطاعت أن تحفر اسمها في سجلات الفن العربي، وأن تظل وفية لموطنه، مع الانفتاح على حوار الثقافات وتأملاته الإنسانية العميقة.
جذور في صنعاء القديمة: استلهام المكان والذاكرة
لطالما كانت مدينة صنعاء القديمة، بمشربياتها وجصها وضوئها الفريد، حاضرة بقوة في أعمال الفنان مظهر نزار. لا يكتفي نزار بتصوير معالم المدينة، بل يغوص في ذاكرتها، ويعيد إنتاجها بلمسة فنية خاصة، مُستخدماً الألوان المائية كأداة مثالية لنقل هذا البهاء. وهذا الاستلهام العميق للمكان ليس مجرد توثيق بصري، بل هو تعبير عن انتماء روحاني وحنين خالص لهذه المدينة التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هويته الفنية والشخصية. يقول نزار: “لقد أتقنت الإضاءة والظلال في مدينة صنعاء، حتى إنني استخدمت صورًا قديمة بالأبيض والأسود، ورسمت لوحة مائية كاملة ومليئة بالألوان”. هذا الاهتمام بالتفاصيل والقدرة على تحويل الصور الذاكراتية إلى أعمال فنية نابضة بالحياة، يميز نزار عن غيره من الفنانين.
الفن التشكيلي كمقاومة: فلسطين واليمن حاضرتان في الوجدان
لم يغفل الفنان مظهر نزار، حتى في ذروة إبداعه وانشغاله الفني، قضايا وطنه وأمته. ففلسطين، بآلامها وصمود شعبها، تحتل مكانة خاصة في أعماله، إلى جانب القضية اليمنية وما يعانيه أبناء اليمن من ويلات الحرب والمعاناة. يرى نزار أن الفن التشكيلي يمكن أن يكون وسيلة للمقاومة، وللتعبير عن الوجدان العربي، وللتوثيق للأحداث التاريخية والراهنة. “الفن مزيج من كل شيء. كفنان يعمل يوما بعد يوم بوعي بالحرب المستمرة، وسماع أصوات القنابل، ومعايشة الخوف لدى الأطفال، كنت أواصل الرسم على أمل أن تنتهي الحرب يوما ما،” يقول نزار. إن دمج هذه القضايا السياسية والاجتماعية في أعماله الفنية، يضفي عليها عمقًا إنسانيًا وأبعادًا فكرية تتجاوز حدود الجمالية البصرية.
تكوين الفنان: رحلة دراسية وتجربة فريدة
تخرج مظهر نزار في الثمانينيات من كلية الفنون بجامعة كلكتا في الهند، حيث اكتسب مهارات فنية وتقنيات جديدة، وتعرّف على ثقافات مختلفة. لكن تجربته الفنية لم تتوقف عند حدود الدراسة الأكاديمية، بل استمرت في التطور والنمو، من خلال الممارسة اليومية والبحث الدائم عن أساليب تعبيرية مبتكرة. لقد انصهرت تجربته في استلهام حوار الثقافات مبكرًا، وعاش ولامس ورأى واستشهد بعلامات وشواهد وثقافات متعددة، بينما ظلت اليمن هي الرمزية الحضارية الحاضرة والعميقة في أعماله. وإلى جانب الفنانين الرواد هاشم علي وطلال النجار وحكيم العاقل، أصبح نزار من أبرز الأسماء في الحركة الفنية اليمنية المعاصرة.
بصمة فنية خاصة: أسلوب نزار المميز
تتميز أعمال مظهر نزار ببصمة فنية خاصة، تجعلها فريدة ومميزة حتى لأولئك الذين لم يسبق لهم أن رأوا توقيعه عليها. إن هذا الأسلوب المميز يتجلى في استخدام الألوان، وفي الخطوط، وفي الرموز، وفي التقنيات المتنوعة التي يتقنها نزار. كما أن أعماله تحمل عمقًا ثقافيًا وتاريخيًا، وتعكس الهوية اليمنية الأصيلة. يشير نزار إلى أن أحد كبار الفنانين التشكيليين في الهند تعرف على موهبته مبكرًا، وأشاد برسوماته، وهو ما دفعه إلى الاستمرار في طريقه الفني.
مستقبل الفن التشكيلي في اليمن: نظرة متفائلة
على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، يظل الفنان مظهر نزار متفائلاً بمستقبل الفن المعاصر في بلاده. يرى أن الفنانين اليمنيين لديهم القدرة على الإبداع والابتكار، وعلى تقديم أعمال فنية ذات جودة عالية. لكنه يؤكد أيضًا على أهمية دعم الفن والفنانين من قبل الحكومة والمجتمع. “وضع الفن والفنانين في اليمن سيئ للغاية، ولكن لا يزال بعض الفنانين يبدعون أعمالًا فنية لأنفسهم عندما يجدون الوقت”، يقول نزار. ويدعو إلى ضرورة إقامة المعارض الفنية داخل اليمن وخارجه، حتى يتمكن الفنانون من عرض أعمالهم والتواصل مع الجمهور.
في الختام، يمثل الفنان مظهر نزار قامة فنية يمنية وعربية، استطاعت أن تحافظ على أصالة الفن اليمني، مع الانفتاح على حوار الثقافات وتجربة أساليب جديدة ومبتكرة. إن أعماله ليست مجرد لوحات فنية جميلة، بل هي وثائق بصرية لتاريخ اليمن وثقافته وهويته، وتعبير عن وجدانه وهمومه وآماله. وهي دعوة للتأمل والتفكير في قضايا الوطن والأمة والإنسان. تابعوا أعماله واستلهاموا من تجربته الفنية الغنية والملهمة.


