مع حلول الشتاء من كل عام، يزداد البحث عن أفلام الأعياد، تلك الأعمال السينمائية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من احتفالاتنا بنهاية العام. سواء كانت كوميدية، رومانسية، أو حتى تنتمي إلى نوع الرعب، تجمع هذه الأفلام بينها أجواء الأعياد والدفء العائلي، وتقدم ملاذًا ممتعًا للباحثين عن الترفيه في ليالي الشتاء الطويلة. هذا العام، يشهد سوق أفلام الكريسماس منافسة شرسة بين منصات البث الرقمي، التي تتسابق لتقديم أحدث الإصدارات لجذب المشاهدين.
ازدهار أفلام الأعياد في عصر المنصات الرقمية
شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2025 طرح ما يقرب من 8 أعمال سينمائية جديدة تحتفي بأجواء الأعياد الشتوية. منصة نتفليكس تصدرت المشهد بـ 4 إصدارات، بينها أفلام ومسلسلات قصيرة، تركز جميعها على روح الاحتفال والتفاؤل. من أبرز هذه الأعمال المسلسل القصير “رجل في مواجهة طفل” (Man Vs Baby)، بالإضافة إلى أفلام مثل “سرقة في عيد الميلاد” (Jingle Bell Heist)، و”سانتا السري” (My Secret Santa)، و”عيد سعيد للمنفصلين” (A Merry Little Ex-Mas).
لم تتوانَ منصات أخرى عن المشاركة في هذا الموسم المميز. برايم فيديو التابعة لأمازون قدمت 3 أفلام جديدة، هي “العثور على جوي” (Tyler Perry’s Finding Joy)، و”يا له من مرح!” (Oh What Fun)، و”فرح للعالم” (Joy to the World). بينما اكتفت منصة ديزني + بفيلم واحد بعنوان “كريسماس خاص جدا مع جوناس” (A Very Jonas Christmas Movie)، وأطلقت منصة +أبل تي في فيلم “خطة العائلة 2” (The Family Plan 2).
هذا الكم الهائل من الإنتاجات يعكس تحول أفلام الأعياد إلى صناعة ضخمة، تستهدف جمهورًا واسعًا يبحث عن الترفيه العائلي خلال فترة الإجازات.
رحلة أفلام الأعياد: من السينما الصامتة إلى الشاشات الرقمية
لم تكن أفلام الكريسماس دائمًا سباقًا تجاريًا محمومًا. في بداياتها، كانت مجرد مساحة للخيال وقصص درامية مؤثرة. تعود جذور هذا النوع السينمائي إلى زمن السينما الصامتة، قبل حوالي 125 عامًا، حيث كانت الأجواء الاحتفالية توفر خلفية مثالية لتقديم قصص بسيطة ومباشرة، مليئة بالعاطفة.
“كريسماس كارول”.. البداية التاريخية
يعتبر فيلم “ترنيمة عيد الميلاد” (A Christmas Carol) الذي أنتج عام 1901، من أوائل الأفلام التي استلهمت من روح الأعياد. الفيلم، المقتبس عن رواية تشارلز ديكنز الشهيرة، أسس لثلاثة عناصر رئيسية ستظل حاضرة في أفلام الأعياد لعقود: البطل الذي يتغير نحو الأفضل، فكرة الخلاص القيمي، والحضور الرمزي للثلج والدفء والمشاركة العائلية.
الأربعينيات: بناء الصورة المثالية للعائلة الأمريكية
بعد الحرب العالمية الثانية، احتاجت الولايات المتحدة إلى قصص تعزز الوحدة الوطنية وتزرع الأمل في المستقبل. ظهرت أفلام مثل “يا لها من حياة رائعة!” (It’s a Wonderful Life) سنة 1946، و”معجزة في شارع 34″ (Miracle on 34th Street) سنة 1947، لتقدم صورة مثالية للعائلة الأمريكية، وتربط الأعياد بالقيم المدنية والاجتماعية.
خلال هذه الفترة، بدأت هوليود في دمج الاستهلاك التجاري في حبكات الأفلام، مع ظهور المتاجر والمنتجات كجزء من المشهد الدرامي. كما ترسخت الخلفيات الموسيقية والغنائية، مثل أغنية “White Christmas”، كعنصر أساسي في أجواء الاحتفال.
التلفزيون والطقوس العائلية
مع انتشار التلفزيون في الستينيات، تحولت أفلام الأعياد إلى طقس سنوي يتكرر في المنازل. ساهمت البرامج القصيرة الخاصة بالأطفال، مثل “رولدف: الرنة ذو الأنف الأحمر” (Rudolph the Red-Nosed Reindeer) و”فروستي رجل الثلج” (Frosty the Snowman)، في ترسيخ عادة المشاهدة الجماعية، وخلق طلب مستمر على إنتاج محتوى جديد.
التسعينيات: عصر الكوميديا العائلية
شهدت التسعينيات هيمنة الكوميديا العائلية على نوع أفلام الأعياد. فيلم “وحدي بالمنزل” (Home Alone) عام 1990، حقق نجاحًا ساحقًا، وأثبت أن موسم الكريسماس يمكن أن يكون موسمًا سينمائيًا مربحًا بذاته. تبعه العديد من الأفلام التي اعتمدت على المزج بين الكوميديا والفوضى العائلية، مثل “عطلة عيد الميلاد” (National Lampoon’s Christmas Vacation) و”سانتا كلوز” (The Santa Clause).
أفلام الأعياد في الألفية الجديدة: عولمة وتنوع
مع بداية الألفية الجديدة، شهدت أفلام الأعياد توسعًا نوعيًا، وتكيفت مع ثقافات مختلفة حول العالم. ظهرت أعمال رومانسية مثل “الحب حقا” (Love Actually)، وأفلام رسوم متحركة مثل “القطار القطبي” (The Polar Express)، بالإضافة إلى كوميديات جديدة.
وصولًا إلى عصر منصات البث الرقمي، أصبح الكريسماس موسمًا للإنتاج المكثف، حيث تُطرح عشرات الأفلام منخفضة الميزانية، والموجهة إلى جمهور يبحث عن الترفيه الخفيف والمألوف. هذا التطور أدى إلى ظهور ما يمكن تسميته بـ “العالم السينمائي للكريسماس”، حيث تتشابك العوالم والشخصيات في أعمال متعددة، بهدف تقديم تجربة احتفالية بسيطة وممتعة.
في الختام، تظل أفلام الأعياد جزءًا أساسيًا من احتفالاتنا، وتتطور باستمرار لتلبية أذواق الجمهور المتغيرة. سواء كنت تفضل الكلاسيكيات القديمة أو الإصدارات الحديثة، فإن هذه الأفلام تضمن لك قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء، والاستمتاع بروح الأعياد. شاركنا رأيك، ما هو فيلم الكريسماس المفضل لديك؟ وهل تعتقد أن هذا النوع السينمائي سيستمر في الازدهار في السنوات القادمة؟



