كتبتُ هذا النص القصير في وقتٍ ما من عام 2004. واليوم-وبسبب حلقة تناولت وسائل الإعلام وموضوع الاستعمار الجديد-أعدتُ قراءته، محاولًا أن أضع نفسي في موضع المحقق أو المستجوب، كشخص يبحث عن المذنبين ولا يدرك جوهر المشكلة أو يكشف عن الحلول، فكانت هذه هي النتيجة.

لقد أصبح مصطلح التنمية شائعًا في الخطاب الإعلامي والمؤسسي في أفريقيا. فهو يظهر في الأخبار، وفي تقارير السياسات العامة، وفي الخطط الإستراتيجية الحكومية، وفي جداول الأعمال الدولية، وعلى ألسنة الصحفيين ومقدّمي البرامج التلفزيونية والناطقين الرسميين على حدّ سواء.
ومع ذلك، يبقى السؤال الجوهري هو: عن أي تنمية نتحدث في الأساس؟ ما الافتراضات الكامنة وراء هذا الخطاب؟ وقبل كل شيء، في خدمة من يُبنى هذا المفهوم؟

وعلى خلاف توقعات ماركس وإنجلز، اللذين اعتبرا أن تقدّم القوى الإنتاجية في المجتمعات الأكثر تطورًا سيجرف حتمًا المجتمعات المتأخرة معه، فقد دحض تاريخ القرن العشرين هذه النظرة الغائبة.

وكما يوضح ديفيد لاندس (1989) في كتابه “إعادة التفكير في التنمية”، لم يستغرق الأمر سوى جيلين بعد التجربة الاستعمارية- والتي يُنظر إليها اليوم (وهو إشكال بحد ذاته) على أنها معجزة اقتصادية- حتى تم تقويض هذا التفاؤل الساذج.

“لقد كانت البرامج الاقتصادية للدول الرأسمالية موجّهة بالأساس إلى تعزيز مصالحها الداخلية. صحيح أنها قد تعود ببعض المنافع الهامشية على مستعمراتها- وقد حدث ذلك في بعض الأحيان- لكن كنتيجة ثانوية، وحتى في تلك الحالات، فقد اتخذت هذه التنمية شكلًا مغايرًا تمامًا لما كان يُلاحظ في العواصم الاستعمارية” (لاندس، 1989، ص. 45).

ومع ذلك، فإن نهاية الاستعمار الرسمي لم تعنِ نهاية علاقات التبعية، فقد استمرت المستعمرات السابقة في أداء دور الهوامش الاقتصادية، خاضعة لمنطق ومصالح المركز، الذي سارع إلى التعافي من خسارة مناطق نفوذه، في حين كانت تلك المستعمرات مغرمة بطعم الحرية المكتسبة حديثًا.
علاوة على ذلك، فإن النموذج التنموي الذي فُرض عليها بعد الاستقلال، في إطار العلاقات العالمية، أبقى على العديد من الهياكل الاستعمارية على حالها، وهي:

التخصص الإنتاجي، تصدير المواد الخام، التعرّض لتقلبات الأسواق الخارجية، وكعامل جديد، المديونية الهيكلية (رودني، 1972، أمين، 1976).

وفي هذا السياق، أقرّ العديد من الاقتصاديين المنتمين إلى ما يُعرف بمدرسة “التنمويين” باستحالة توقّع أن تحلّ قوى السوق تلقائيًا العقبات الهيكلية أمام التنمية.

وعلى العكس من ذلك، حذّروا من الآثار السلبية لليبرالية المبكرة، مثل الاقتصادات المتخصصة وغير المتوازنة، وتقلبات الأسعار الدولية، وهشاشة أسعار الصرف، والاعتماد على منتج أو منتجين أساسيين فقط – وهو ما أدى إلى نشوء ما يُعرف بـ”جمهوريات الموز” (سواء كانت جمهوريات الماس أو النفط أو القهوة، وغيرها) (فرانك، 1967، بريبيش، 1950).

وتُظهر حالات نيجيريا، وزامبيا، وموزمبيق بوضوح حدود هذا النموذج. فعلى سبيل المثال، تمتلك نيجيريا ناتجًا محليًا إجماليًا للفرد يُعد مرتفعًا نسبيًا بفضل استخراج النفط، إلا أنها تعاني من معدلات مقلقة من الفقر، وعدم المساواة، والتخلّف البشري (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2023).

أما موزمبيق وزامبيا، فقد خضعتا لبرامج التكيّف الهيكلي التي روّج لها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما أدى إلى انهيار اقتصادي تحت وطأة إصلاحات فكّكت نسيجهما الإنتاجي والاجتماعي الهشّ (مكندويري وسولودو، 1999).

وفي أفريقيا، أدّى فشل العديد من البرامج الطموحة إلى بروز تيارات نقدية جديدة. فهناك من يُرجع هذا الفشل إلى سوء الإدارة الداخلية، والزبائنية، والفساد (بايار، 1993)، بينما تتجه تيارات أخرى، ذات نزعة بنيوية وراديكالية، إلى إدانة منطق الرأسمالية العالمية، واستمرار التبادلات غير المتكافئة، والتجريد المتواصل للموارد من خلال الوسائل التجارية والمالية والتكنولوجية (أمين، 1976، غروسفوغيل، 2007).

ورغم أن الحقبة الاستعمارية قد انتهت رسميًا، فإنها أفسحت المجال أمام أشكال جديدة من الهيمنة، تمثّلت في الاستعمار الاقتصادي الجديد الذي لا يزال قائمًا تحت مسمّيات التعاون، أو المساعدات التنموية، أو العولمة.
ولا تزال القدرة السيادية على اتخاذ القرار خاضعة لشروط تمليها المؤسسات متعددة الأطراف، والدائنون الخارجيون، والشركات الكبرى (ستيغليتز، 2002).

وبالتالي، تظلّ أفريقيا موضوعًا “أبديًا” للدراسة والتشخيص والتخطيط، لكنها نادرًا ما تكون الفاعل. فالاقتصاديون، والوكالات متعددة الأطراف، ومراكز أبحاث، وجامعات أجنبية، هم من يتولّون تحليل مواردنا، وتقييم أراضينا، وتصنيف عملنا، وتحديد “الوظيفة الإنتاجية” لقطننا وأسماكنا وفحمنا.

في هذا السياق، يبرز سؤال حاسم: ما الدور الذي يمكن (ويجب) أن تضطلع به وسائل الإعلام الأفريقية في بناء رؤية نقدية وسيادية للتنمية؟ وهل من الممكن بلورة فكر اقتصادي تحرّري وفعّال، ينشأ من داخل أفريقيا، مستندًا إلى واقعها المحلي، وقادرًا في الوقت ذاته على التفاعل إقليميًا ودوليًا؟

وتُظهر أمثلة مثل موريشيوس، وتونس، وجنوب أفريقيا، ورواندا، أنه مع وجود مشاريع سياسية واضحة، وكفاءة تقنية، ومشاركة مواطنية فعّالة، من الممكن بناء مسارات نمو تتضمن شيئًا من إعادة التوزيع.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذه المسارات يتطلب مؤسسات قوية، وإعلامًا يقظًا، وتفكيرًا إستراتيجيًا.

وبدلًا من ترديد الخطاب السائد، ينبغي للإعلام الأفريقي أن يمتلك القدرة على تفكيكه، والتشكيك في فرضياته، واقتراح بدائل له. فأفريقيا ليست محكومًا عليها بالفقر، والتعاملُ معها بهذه النظرة لا يؤدي إلا إلى ترسيخ ذلك المصير.
إذ يصبح القدر المحتوم نبوءة تتحقق ذاتيًّا، ويمنح شرعية للقرارات السياسية الخاطئة، سواء من قبل من يتلقّون الدعم، أو أولئك الذين “يدعمونها”.

وهكذا، كما في “متلازمة ستوكهولم” التي يطوّر فيها الضحية مشاعر إيجابية تجاه الجلّاد كالتعاطف أو المودة أو حتى الولاء، تبدو أفريقيا وكأنها تتقبل الاستعمار الجديد، بل وتريده وتُعجب به؛ لأنها تعتقد أن حياتها ومستقبلها مرهونان بموافقة القوى الاستعمارية السابقة، لا بجهدها الذاتي.

إنها “متلازمة التبعية” أو “فقدان الإرادة الذاتية”. لقد كانت الأجيال التحررية شُجاعة في انتزاع الاستقلال السياسي، لكنها تبدو مترددة في بناء مستقبل تنموي فعلي وتوجيه شعوبها نحوه.

ومن الضروري إعادة التفكير في مفهوم التنمية، لا باعتبارها مصيرًا مفروضًا، بل كعملية سياسية وثقافية واقتصادية تُبنى من الداخل، بروح الانتماء ورؤية إستراتيجية.
تنمية تخصنا، شكلًا ومضمونًا واتجاهًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version