في ظل استمرار التحديات الاقتصادية، تظل البطالة في الأردن قضية ملحة تؤرق الشباب وتعيق التنمية. فبين طوابير الباحثين عن عمل وإحصائيات متصاعدة، تتطلب هذه الأزمة حلولاً شاملة ومبتكرة. هذا المقال يتناول أبعاد هذه المشكلة، الجهود الحكومية، والحلول المقترحة للتغلب عليها.

أزمة البطالة في الأردن: أرقام وتحديات

تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن معدل البطالة في الأردن تجاوز 20%، مع ارتفاع ملحوظ في أوساط الشباب، خاصة الفئة العمرية بين 15 و 24 عاماً. هذه الأرقام تعكس واقعاً صعباً يواجهه الخريجون الجدد وحاملو الشهادات الجامعية على حد سواء، حيث يجد الكثيرون صعوبة في الحصول على فرص عمل مناسبة. تتفاقم المشكلة بسبب الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الإناث مقارنة بالذكور، مما يضيف بُعداً اجتماعياً واقتصادياً معقداً.

أسباب تفاقم مشكلة البطالة

يرجع خبراء الاقتصاد تفاقم أزمة البطالة في الأردن إلى عدة عوامل، منها تباطؤ النمو الاقتصادي، وتشبع بعض التخصصات الأكاديمية، وضعف الإقبال على التعليم المهني والتقني. كما أن حذر القطاع الخاص من التوظيف طويل الأمد يلعب دوراً في زيادة معدلات البطالة، حيث يفضل العديد من أصحاب العمل توظيف عمالة مؤقتة أو بعقود قصيرة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظام تقييم معدلات البطالة الذي يشمل جميع المقيمين، بغض النظر عن جنسياتهم، يعكس صورة أكثر اتساعاً للتحدي.

قصص من الواقع: معاناة الباحثين عن عمل

رائد قديمات، خريج هندسة كهربائية، يروي تجربته المؤلمة في البحث عن عمل. أمضى ثلاث سنوات بعد التخرج دون أن يتمكن من الحصول على وظيفة مستقرة، بسبب اشتراط الخبرة المسبقة. قرر رائد تأسيس مشروع صغير لصيانة الأجهزة الكهربائية، مؤكداً أن المبادرة الفردية قد تكون الحل للخروج من دائرة البطالة.

سارة الطلافيح، خريجة محاسبة، تشير إلى أن بعض عروض التوظيف التي تلقتها كانت تفتقر إلى عقود واضحة أو ضمان اجتماعي، مما يزيد من الشعور بالإحباط وعدم الاستقرار. تؤكد سارة أن البطالة لا تؤثر مادياً فحسب، بل أيضاً نفسياً، بسبب ضغوط الأسرة والمجتمع.

جهود حكومية لمواجهة البطالة

تؤكد وزارة العمل الأردنية أن خفض معدلات البطالة ليس مسؤوليتها وحدها، بل هو جهد مشترك يتطلب تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة. يُعد البرنامج الوطني للتشغيل من أبرز أدوات التدخل الحكومي، حيث يربط الباحثين عن العمل بمنشآت القطاع الخاص، مع دعم حكومي للأجور وعقود رسمية. وقد ساهم البرنامج في توقيع أكثر من 60 ألف عقد عمل مدعوم، مع نسبة مشاركة نسائية تجاوزت 50%.

رؤية التحديث الاقتصادي: نحو مستقبل أفضل

تعمل الحكومة الأردنية على تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي تحت شعار “مستقبل أفضل”، وهي رؤية ملكية تهدف إلى تحقيق النمو المتسارع من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية، والارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين. ترتكز هذه الرؤية على ركيزتين أساسيتين: تحقيق النمو المتسارع والارتقاء بنوعية الحياة مع الاستدامة.

حلول مقترحة للتغلب على البطالة

يتفق خبراء الاقتصاد على أن مواجهة مشكلة البطالة في الأردن تتطلب اعتماد مجموعة من الإجراءات الإستراتيجية، منها:

  • تبني إستراتيجية وطنية شاملة لتعزيز التعليم المهني والتقني وربطه بمتطلبات سوق العمل.
  • تحفيز ريادة الأعمال من خلال تسهيلات ائتمانية وبرامج تدريبية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
  • إصلاح منظومة التعليم العالي لتوجيه الطلبة نحو التخصصات المطلوبة في القطاعات الناشئة.
  • تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير برامج تدريب وتوظيف تستهدف الشباب والنساء.
  • زيادة الاستثمارات وتهيئة بيئة أعمال محفزة لدعم النمو الاقتصادي.

الخلاصة: نحو حلول مستدامة

إن البطالة في الأردن تمثل تحدياً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً يتطلب حلولاً شاملة ومستدامة. يتطلب ذلك تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بالإضافة إلى تبني سياسات مبتكرة تركز على تطوير التعليم المهني والتقني، وتحفيز ريادة الأعمال، وتوجيه الشباب نحو التخصصات المطلوبة في سوق العمل. في ظل الواقع الاقتصادي الضاغط، تبرز أهمية المبادرة الفردية كجزء أساسي من معادلة الحل، إلى جانب السياسات العامة. يبقى الأمل معقوداً على إيجاد حلول فعالة تساهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version