اليمن تشهد انفراجة زراعية مع إعادة فتح سد مأرب التاريخي، بعد فترة انتظار طويلة دامت ستة أشهر، مما يبشر بموسم زراعي واعد للمزارعين في محافظة مأرب ويوفر متنفسًا للسكان المحليين والنازحين. هذا الحدث المهم يعيد الأمل إلى المنطقة التي عانت طويلًا من شح المياه وتداعيات الحرب. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أهمية هذه الخطوة، وفوائدها المتوقعة، وتأثيرها على الأمن الغذائي في اليمن. سد مأرب، هذا الصرح التاريخي، يمثل شريان الحياة لآلاف الهكتارات الزراعية، وإعادة تدفق مياهه تحمل بشائر الخير للمزارعين.

أهمية إعادة فتح قنوات سد مأرب

إعادة فتح قنوات سد مأرب ليست مجرد إجراء فني، بل هي خطوة استراتيجية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية كبيرة. السد يحوي حاليًا نحو 4 ملايين متر مكعب من المياه، وهي كمية كافية لبدء عملية الري وتغذية الآبار الجوفية. هذا التدفق المائي الجديد يمثل فرصة حقيقية لإنعاش القطاع الزراعي الذي يعتبر أحد أهم مصادر الدخل والعمالة في محافظة مأرب.

شبكة القنوات المائية وتوزيع المياه

تمتد شبكة القنوات الرئيسية والفرعية التابعة لسد مأرب لمسافة تقارب 200 كيلومتر داخل مديريتي المدينة والوادي. القناة الرئيسية تغذي “التحويلة” أولًا، ثم تتفرع إلى قنوات أصغر تمتد لمسافة تزيد عن 50 كيلومترًا في مديرية الوادي، إضافةً إلى 80 كيلومترًا للقنوات الفرعية. هذا النظام المعقد يضمن وصول المياه إلى أبعد المناطق الزراعية، مع مراعاة العدالة في التوزيع وتلبية احتياجات المزارعين.

انطلاق الموسم الزراعي الشتوي وتأثيره على الإنتاج

يتزامن فتح القنوات مع انطلاق الموسم الزراعي الشتوي في مأرب، وهي محافظة معروفة بإنتاجها الوفير من المحاصيل المتنوعة. من بين أهم هذه المحاصيل البطاطا والطماطم والبصل والقمح والسمسم والحمضيات، التي تساهم بشكل كبير في تلبية احتياجات الأسواق المحلية خلال فصل الشتاء.

طرق الاستفادة من مياه السد

يعتمد المزارعون في مأرب على طريقتين رئيسيتين للاستفادة من مياه سد مأرب. الأولى هي الري المباشر من القنوات باستخدام المضخات، وهي طريقة فعالة لضمان حصول المحاصيل على الكمية المناسبة من المياه. أما الطريقة الثانية فهي تغذية المياه الجوفية والآبار الارتوازية، مما يساهم في الحفاظ على مخزون المياه الجوفية ويضمن استدامة النشاط الزراعي على المدى الطويل.

متنفس للسكان والنازحين بعد سنوات من الصراع

لم تقتصر فوائد إعادة فتح سد مأرب على الجانب الزراعي فحسب، بل امتدت لتشمل الجانب الاجتماعي أيضًا. تحولت قنوات السد إلى متنفس للسكان المحليين والنازحين، حيث يقصدها المئات مع عائلاتهم للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة وقضاء أوقات ممتعة.

أمل جديد في الاستقرار النفسي والاجتماعي

في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، يمثل سد مأرب رمزًا للأمل والتعافي. يعبر النازحون عن سعادتهم بوجود مكان آمن وهادئ يمكنهم فيه نسيان مآسي الحرب وتجديد الأمل في مستقبل أفضل. كما أن توفر الأمن والاستقرار وتشجيع السياحة المحلية حول السد يساهم في تحسين الوضع النفسي والاجتماعي لسكان المنطقة.

تأثير المياه المتدفقة على الآبار الزراعية

أكد العديد من المزارعين أن إعادة تدفق مياه سد مأرب أسهمت بشكل ملحوظ في رفع منسوب المياه في الآبار الارتوازية، بعد فترة طويلة من الانخفاض الحاد. هذا الارتفاع في منسوب المياه يمثل رفعة حقيقية للمزارعين، حيث يقلل من تكاليف ضخ المياه ويزيد من كفاءة الري.

معالجة أزمة نقص المياه وتحسين الإنتاج

تأخير فتح القنوات في السابق كان له تأثير سلبي على بعض المزارع، حيث أدى إلى نقص المياه وتضرر المحاصيل. ولكن مع إعادة فتح السد، يأمل المزارعون في تعويض هذه الخسائر وتحسين الإنتاج الزراعي وزيادة الدخل. القنوات تغذي الأراضي الزراعية مباشرةً، وتساعد على تعويض النقص في المياه الجوفية، مما يعزز الأمن الغذائي للمحافظة. كما أن استمرار تدفق المياه يضمن استمرار الزراعة في مواجهة التحديات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.

التحديات المستقبلية وأهمية الاستدامة

على الرغم من البشائر الطيبة التي يحملها إعادة فتح سد مأرب، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها لضمان استدامة هذا المشروع. من بين هذه التحديات، وصول المياه إلى أبعد القنوات في مديرية الوادي، حيث يستغرق الأمر عدة أيام حتى تغطي الشبكة بأكملها.

دعوة إلى التعاون لدعم القطاع الزراعي

يتطلب تحقيق الاستدامة في استخدام مياه السد تضافر الجهود بين السلطات المحلية والمزارعين والمنظمات المختصة. يجب وضع خطط لإدارة المياه بشكل فعال، وترشيد الاستهلاك، وتطوير تقنيات الري الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، يجب دعم المزارعين من خلال توفير البذور والأسمدة والمعدات الزراعية بأسعار مناسبة. فالزراعة المستدامة هي أساس الأمن الغذائي والرخاء الاقتصادي في مأرب واليمن بأكمله.

في الختام، إن إعادة فتح سد مأرب تمثل نقطة تحول إيجابية في حياة سكان المحافظة، وتبشر بمستقبل أكثر ازدهارًا للقطاع الزراعي. يجب استغلال هذه الفرصة لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين مستوى المعيشة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الاستدامة والحفاظ على هذا المورد الثمين للأجيال القادمة. ندعو الجميع إلى المساهمة في دعم هذا المشروع الحيوي، من خلال تقديم المساعدة للمزارعين وتبني أفضل الممارسات في إدارة المياه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version