10 أشهر فصلت بين سقوط نظام بشار الأسد  في سوريا في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وبين التوصل إلى اتفاق إنشاء ممر “زنغزور”، أو ما أُطلق عليه “طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي”، الذي وقّعته كل من أذربيجان وأرمينيا برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن من أغسطس/آب الماضي.

هاتان المحطتان شكلتا جملة من المنافع الاقتصادية المنتظرة لتركيا، إذ أسهمتا في فك أقفال أعاقت حركة التجارة لسنوات طويلة، وأبطأت فرص تعزيز المكانة الاقتصادية والتجارية لأنقرة.

ومع تفعيل الممر الجديد، تستعد تركيا لتعزيز موقعها كحلقة وصل تتوسط خطوط التجارة، بما يدعم انسيابية الصادرات صوب دول العالم التركي، وباتجاه الأردن ودول الخليج عبر سوريا.

عالم تركي متصل

في الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن وزير الخزانة التركي محمد شيمشيك تحقيق الاقتصاد التركي نموا بنسبة 4.8% خلال الربع الثاني من العام ذاته على أساس سنوي، وبلوغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 1.5 تريليون دولار.

هذا المسار التصاعدي سيكون مرشحا لمزيد من الارتفاع بعد الإعلان عن إنشاء ممر “زنغزور”، بما يساعد تركيا على التحول إلى مركز رئيسي لسلاسل التوريد العالمية.

فجائحة كورونا وما تلاها من اضطراب في حركة التجارة العالمية أثبتت قدرة أنقرة على تعويض جزء مهم من النقص الحاصل، في حين جعلت الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين من تركيا بديلا لوجستيا مهما بحكم موقعها الجغرافي المتوسط وتشابك خطوط التجارة عبرها.

لطالما سعت أنقرة أيضا إلى تعزيز الروابط مع “العالم التركي” (تشمل بشكل رئيس كل من تركيا وأذربيجان، وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان)، ومن خلال ممر “زنغزور”، تبدو فرص توسيع الحضور التركي في هذا الفضاء أكثر سهولة وفاعلية.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين دول العالم التركي إلى 42 مليار دولار عام 2023، مقارنة بـ33 مليارا في العام السابق، بحسب تصريحات وزير التجارة التركي عمر بولاط.

ووفقا لجمعية رجال الأعمال الأتراك (أوتيكاد)، فإن الممر سيضيف قيمة اقتصادية وأهمية جيواقتصادية لتركيا، ومع تكامله مع خط سكة حديد قارص-إغدير-نخجوان المخطط له، فإنه قد يفتح طرقا تجارية جديدة ويوفر آفاقا تنموية للمناطق الشرقية.

كما أشاد وزير النقل التركي بدور خط السكة الحديدية المرتقب في تعزيز كفاءة تدفق البضائع على امتداد الطريق الذي يربط بين بكين ولندن من خلال التكامل مع ممر “زنغزور”.

أرباح تشغيلية مرتفعة

وزير النقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، وفي تصريحات خلال مراسم وضع حجر الأساس لخط سكة حديد قارص-إغدير-أراليك-ديليوجو في ولاية إغدير، نقلتها وكالة الأناضول، أكد أن بلاده ستحقق أرباحا تشغيلية من ممر “زنغزور” تصل إلى 147.6 مليار ليرة، أي ما يعادل 3.6 مليارات دولار، وذلك ضمن مشروع يمتد طيلة 30 عاما.

وشدد أورال أوغلو على أن الممر ليس مجرد وسيلة نقل، بل يمثل استثمارا إستراتيجيا، إذ سيكون أقصر طريق للاتصال بالدولة التركية، وقادرا على نقل 15 مليون طن من البضائع خلال الفترة المذكورة.

عين على سوريا

منذ نجاح الثورة السورية والإطاحة بنظام الأسد، تولي أنقرة أهمية متزايدة للممر الجنوبي عبر سوريا وصولا إلى الأردن ودول الخليج. وفي هذا السياق، سمحت السلطات التركية بحرية الحركة للشاحنات السورية، بما يتيح لها العبور دون الحاجة إلى التحميل أو التفريغ، في إشارة واضحة إلى رغبة أنقرة في تعزيز الانسيابية التجارية.

كما تسعى تركيا لتطوير آليات النقل مع كل من سوريا والأردن لتصبح أكثر احترافية، وهو ما سيكون محور لقاءات ثلاثية مقبلة بين الدول الثلاث، وفق تصريحات وزير النقل التركي لوكالة الأناضول.

ولم يتوقف حديث أورال أوغلو عند هذا الحد، بل تطرق إلى مشاريع البنية التحتية التي تنفذها بلاده داخل سوريا، وإلى المحادثات المستمرة مع المسؤولين في دمشق بهذا الشأن.

وتولي أنقرة اهتماما خاصا بخطوط السكك الحديدية، إذ تعمل على توفير تمويل بقيمة 120 مليون دولار لإعادة تأهيل خط السكة الحديدية الذي يربط مدينة غازي عنتاب التركية بمدينة حلب السورية.

ويُتوقع أن يفتح نجاح هذا المشروع الباب لإحياء خط الحجاز التاريخي، حيث ما زالت بنيته التحتية -رغم قدمها- قابلة لإعادة التأهيل في سوريا والأردن.

من جهته، أكد وزير التجارة التركي عمر بولاط خلال افتتاح معرض دمشق الدولي على الأهمية البالغة لعودة سوريا إلى دورها “كدولة عبور تجاري”، مشيرا إلى بدء عملية تحرير الترانزيت معها عبر 9 بوابات جمركية وصولا إلى السعودية.

أما رئيس مجلس المصدرين الأتراك مصطفى غولتبه، فأوضح أن حجم التجارة مع سوريا من المتوقع أن يتجاوز 3 مليارات دولار.

قفزة تجارية مع دول الخليج

تحرير حركة التجارة عبر سوريا سيعزز بدوره التبادل التجاري مع دول الخليج ويضاعف فرص الصادرات التركية في تلك الأسواق.

فقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى دول الخليج نحو 126.7 مليار دولار خلال الفترة بين 2020 و2024، في حين سجلت 27.7 مليار دولار في العام الماضي. ومع المتغيرات الجديدة، فإن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بشكل أكبر.

ويعزز ذلك التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد عقد الجولة الثالثة من المفاوضات في أبريل/نيسان الماضي.

ووفق بيان لوزارة التجارة التركية، فإن الاتفاق المرتقب قد يفتح المجال لتشكيل واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، خاصة إذا ما أُخذ في الاعتبار أن إجمالي حجم التجارة بين تركيا ودول المجلس من جهة، ودول العالم من جهة أخرى، يصل إلى نحو 2.4 تريليون دولار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version