ارتفعت أسعار الفضة بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، مسجلة مكاسب غير مسبوقة فاقت حتى مكاسب الذهب. فهل هذا الارتفاع في سعر الفضة مجرد فقاعة مؤقتة أم بداية لتحول هيكلي في سوق السلع؟ هذا ما سنستعرضه في هذا المقال، مع تحليل الأسباب التي أدت إلى هذا الصعود، والسيناريوهات المحتملة لمستقبلها. شهد المعدن الأبيض قفزة قوية بلغت 2.6% ليصل إلى 67.14 دولارًا للأونصة، بعد أن سجل مستوى قياسيًا سابقًا، منهيًا بذلك الأسبوع بمكاسب إجمالية تبلغ 8.4%. الأهم من ذلك، ارتفعت أسعار الفضة بنحو 132% منذ بداية العام 2025، متجاوزة أداء الذهب الذي سجل مكاسب سنوية تبلغ حوالي 65%.
لماذا ارتفع سعر الفضة بهذه القوة في عام 2025؟
لم يكن هذا الصعود المفاجئ في سعر الفضة وليد الصدفة، بل هو نتيجة لتضافر عدة عوامل أدت إلى إعادة تقييم هذا المعدن الثمين من قبل المستثمرين. وفقًا لتقرير صادر عن مجلة فوربس، يمكن تلخيص هذه العوامل في ثلاثة مسارات رئيسية مترابطة. يعتبر فهم هذه المسارات ضروريًا لتقييم ما إذا كان هذا الارتفاع مستدامًا أم لا. سنتناول كل مسار على حدة بشيء من التفصيل.
1. التحول في تدفقات الاستثمار نحو الفضة
على مدى سنوات، شهدت الصناديق المتداولة المدعومة بالفضة خروجًا للأموال. لكن عام 2025 شهد انعطافة كبيرة، حيث عادت الاستثمارات للتدفق بقوة نحو هذه الصناديق. هذا التحول في الاتجاهات الاستثمارية حول الطلب الورقي على الفضة إلى قوة دافعة حقيقية لأسعارها. العديد من هذه الصناديق حققت عوائد مغرية تقارب أو تتجاوز 100% خلال العام، مما عزز من جاذبيتها للمستثمرين. هذا التدفق القوي للاستثمارات أدى إلى زيادة الطلب على الفضة، وبالتالي ارتفاع سعر الفضة.
2. عودة الطلب الصناعي على الفضة
لا يمكن النظر إلى الفضة ببساطة كمعدن نقدي أو ملاذ آمن. فهي أيضًا عنصر صناعي أساسي يدخل في العديد من الصناعات الحيوية، مثل صناعة الخلايا الشمسية والإلكترونيات وتقنيات الجيل الخامس. ومع استمرار النمو القوي في هذه القطاعات، زاد الطلب على الفضة كمكون أساسي في عمليات الإنتاج. هذا “السحب الفيزيائي” على المخزونات المحدودة من الفضة أدى إلى تشديد العرض وارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد الاهتمام بالتقنيات الخضراء يعزز من الطلب على الفضة، مما يجعلها خيارًا استثماريًا واعدًا.
3. تأثير البيئة الاقتصادية الكلية والسياسات النقدية
لعبت البيئة الاقتصادية الكلية والسياسات النقدية دورًا مهمًا في دعم ارتفاع سعر الفضة. تراجع قيمة الدولار الأمريكي في فترات حاسمة، بالإضافة إلى خفض أسعار الفائدة، والإجراءات التنظيمية التي قد تصنف الفضة كمعدن استراتيجي، ساهمت في تغيير مزاج المستثمرين وتحويلهم نحو الأصول الملموسة. في ظل تراجع العوائد الحقيقية وارتفاع حالة عدم اليقين الجيوسياسي، استعادت الفضة مكانتها كمعدن صناعي ووسيلة للتحوط من المخاطر في آن واحد.
سيناريوهات مستقبلية لـ سعر الفضة
بعد هذا الارتفاع اللافت، يبقى السؤال: ماذا بعد؟ ترى فوربس ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار أسعار الفضة خلال الفترة المقبلة.
السيناريو الأول: استمرار الاتجاه الصعودي
إذا استمر تدفق الأموال نحو الصناديق المتداولة واستقر الطلب الصناعي على الفضة، فقد نشهد ارتفاعًا إضافيًا في الأسعار لتصل إلى 70 دولارًا للأونصة بحلول بداية عام 2026. هذا السيناريو يبدو “قابلًا للتصديق” خاصةً إذا استمرت ضغوط العرض وانخفاض قيمة الدولار وتراجع العوائد الحقيقية. هذا يعني إمكانية تحقيق أرباح إضافية للمستثمرين في الفضة.
السيناريو الثاني: مرحلة التماسك والاستقرار
بعد مكاسب تجاوزت 100%، قد يشهد السوق فترة من جني الأرباح والتقلبات. قد تؤدي هذه العوامل إلى فترة من الاستقرار النسبي في الأسعار، مع احتمال تراجعها إلى نطاق 45-55 دولارًا للأونصة. ومع ذلك، تشدد فوربس على أن هذا السيناريو لا ينفي الأسس الهيكلية القوية التي تدعم سعر الفضة على المدى الطويل، بل هو مجرد تصحيح مؤقت.
السيناريو الثالث: ارتداد حاد نحو المتوسط
هذا السيناريو هو الأكثر تشاؤمًا، حيث قد نشهد ارتدادًا حادًا في الأسعار إذا تبنى البنوك المركزية سياسات نقدية متشددة مفاجئة، أو إذا ارتفعت قيمة الدولار بشكل كبير، أو إذا حدثت عمليات بيع مفاجئة من قبل مستثمرين كبار. وعلى الرغم من أن الرافعة المالية في سوق الفضة أقل مقارنة ببعض العقود المستقبلية الأخرى، إلا أن “تحركات كبيرة لا تزال ممكنة” وفقًا لتحذير فوربس.
في الختام، يشهد سعر الفضة لحظة فارقة في عام 2025، مدفوعًا بتدفقات الاستثمار القوية، والطلب الصناعي المتزايد، والبيئة الاقتصادية المواتية. وبينما هناك سيناريوهات مختلفة لمستقبل الأسعار، فإن الأسباب الهيكلية التي أدت إلى هذا الارتفاع تشير إلى أن الفضة قد تكون على أعتاب حقبة جديدة من الأهمية الاستثمارية والصناعية. من المهم متابعة التطورات الاقتصادية والسياسية عن كثب لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.


