تتصاعد التوترات في السودان مع توسيع قوات الدعم السريع (RSF) نطاق عملياتها الاستهدافية لتشمل منشآت النفط الحيوية، خاصة تلك التي تتعامل مع نفط دولة جنوب السودان قبل تصديره. هذا التطور يثير مخاوف عميقة بشأن مستقبل الاقتصادين السوداني والجنوب سوداني، ويتهم مراقبون قوات الدعم السريع بالسعي لجر جوبا إلى دائرة الصراع ووضعها أمام ابتزاز سياسي واقتصادي. حرب السودان بدأت في منتصف أبريل 2023، وأحدثت بالفعل انخفاضاً حاداً في إنتاج النفط السوداني، وتهدد الآن شريان الحياة الاقتصادي لدولة جنوب السودان.
تدهور إنتاج النفط السوداني وتأثيره على جنوب السودان
قبل اندلاع الأزمة السودانية، كان السودان ينتج حوالي 60 ألف برميل من النفط يومياً. ومع تصاعد القتال، انخفض الإنتاج بشكل مطرد، ليصل حالياً إلى 21 ألف برميل فقط. هذا الانخفاض المدمر، بالإضافة إلى تهديد إغلاق حقل هجليج الاستراتيجي، يضع السودان على شفا كارثة اقتصادية. حقل هجليج، الواقع في ولاية غرب كردفان، ليس فقط مصدراً رئيسياً للنفط السوداني، بل هو أيضاً مركز معالجة لـ 130 ألف برميل من النفط الجنوب سوداني القادم من حقول ولاية الوحدة، قبل تصديره عبر ميناء بشائر في بورتسودان.
إيقاف عمليات معالجة النفط في حقل هجليج يعني خسارة فادحة لدولة جنوب السودان، حيث يعتمد اقتصادها بنسبة 90% على عائدات النفط. بالإضافة إلى ذلك، ستخسر السودان حوالي 21 ألف برميل من النفط الخام، بالإضافة إلى رسوم العبور والتصدير التي تقدر بأكثر من مليون دولار يومياً. هذا الوضع يفاقم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها كلتا الدولتين، ويهدد بتقويض الاستقرار الإقليمي.
الدعم السريع وجوبا: مخطط لجر الجنوب إلى الحرب؟
يعتقد عامر حسن، الخبير في العلاقات الدولية، أن استهداف قوات الدعم السريع لمنشآت النفط المرتبطة بجنوب السودان ليس مجرد صدفة، بل هو جزء من أجندة معقدة تهدف إلى إدخال جوبا في الحرب وابتزازها. يضيف حسن أن هناك جهوداً مبذولة من قبل جهات خارجية لزرع نفوذ داخل مراكز القرار في جنوب السودان، من خلال تجنيد ودعم مرتزقة يعملون لصالح قوات الدعم السريع، وتوفير خطوط إمداد عسكرية وخدمات إجلاء للجرحى.
ويرى أن عدم التحرك السريع من جانب الحكومة السودانية لتعزيز علاقاتها مع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، والذي يقوم حالياً بتغييرات واسعة في هيكله القيادي، قد يؤدي إلى عودة التوتر والعداء الذي سبق انفصال الجنوب قبل 13 عاماً، والذي تجلى في هجوم مماثل على حقل هجليج عام 2012.
الإضرار بالاقتصاد السوداني كهدف رئيسي
الرأي السابق يدعمه الباحث السياسي مصطفى عبد الحفيظ، الذي يؤكد أن قوات الدعم السريع تسعى من خلال قصف منشآت النفط إلى إضعاف الاقتصاد السوداني عن طريق إيقاف الإنتاج وحرمان الخرطوم من رسوم العبور النفطي. كما يهدف هذا القصف إلى تهديد جنوب السودان بخنق اقتصاده، وذلك لمنع سلفاكير من التخلي عن الدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع عبر الأراضي الجنوبية.
عبد الحفيظ يشير إلى أن التغييرات الأخيرة في القيادة في جنوب السودان، وعودة بعض الشخصيات القديمة، قد أثارت قلق قوات الدعم السريع، خاصة بعد التقارير التي تفيد بأن سلطات جنوب السودان بدأت في رفض استقبال جرحى الدعم السريع وطرد المرتزقة الأجانب.
تدمير مقدرات السودان.. و”ثورة كير” الداخلية
هجمات قوات الدعم السريع على منشآت النفط أثارت إدانة واسعة، حيث أكد تجمع العاملين بقطاع النفط في السودان أن هذه الهجمات تكشف عن مخطط واضح لتدمير مقدرات البلاد. وقد أُعلنت “حالة القوة القاهرة” وإغلاق عمليات ضخ النفط جنوب السوداني من حقل هجليج مؤقتاً.
في الوقت نفسه، تشهد جوبا تغييرات سياسية جذرية، يصفها البعض بـ”ثورة كير”، حيث قام سلفاكير ميارديت بإقالة وتعيين عدد كبير من المسؤولين في مواقع حساسة. تشمل هذه التغييرات إعادة تعيين شخصيات بارزة سبق وأن عملت في السودان، والذين يعتقدون أن تعزيز التعاون مع الخرطوم يصب في مصلحة جنوب السودان. الهدف من هذه التغييرات، وفقاً للمراقبين، هو الأمن الإقليمي وتفكيك شبكات النفوذ التي كانت تقوض سلطة الرئيس سلفاكير. المدير التنفيذي لمركز السلام والمناصرة في جوبا، تير منيانق قاتويج، يرى أن هذه التعديلات تهدف إلى استعادة السلطة التي أضعفتها ما يسميها بـ “مافيا الدولة”.
الوضع في السودان يتطلب تدخلاً عاجلاً لوقف تصعيد العنف وحماية البنية التحتية النفطية، وضمان استمرار تدفق النفط إلى جنوب السودان، وذلك حفاظاً على الاستقرار الإقليمي ورفاهية شعبي البلدين.



