شهد عام 2025 تقلبات حادة في سوق العملات المشفرة، حيث تلا صعود كبير انخفاض مفاجئ أثار قلق المستثمرين وهدد استقرار الشركات التي راهنت على هذا القطاع. هذا التحول المفاجئ دفع الكثيرين للبحث عن ملاذات آمنة في أسواق تقليدية مثل الذهب والأسهم، مما أثار تساؤلات حول مستقبل هذا الأصل الرقمي.
صعود وهبوط مثير للعملات المشفرة في 2025
في بداية عام 2025، شهدت العملات المشفرة طفرة غير مسبوقة، مدفوعة بعوامل متعددة، أبرزها عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ترامب، الذي وعد بتحويل الولايات المتحدة إلى “عاصمة العملات المشفرة في العالم”، أطلق عملتين رقميتين تحملان اسمه واسم زوجته، مما أدى إلى زيادة هائلة في الطلب وارتفاع القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة إلى 12 مليار دولار.
لكن هذا الصعود لم يكن مستدامًا. بحلول نهاية العام، بدأت القيمة في التراجع بشكل حاد. عملة ترامب انخفضت بنسبة 86%، بينما هوت عملة زوجته بنسبة 99%، وفقًا لتقارير صحيفة التايمز البريطانية. هذا الانخفاض المفاجئ كشف عن هشاشة بعض المشاريع الجديدة وأثار المخاوف من وجود فقاعة في هذا القطاع.
الشركات تتأثر وتراجع الثقة في البيتكوين
على خلفية هذا الصعود الأولي، قامت العديد من الشركات بشراء كميات كبيرة من بيتكوين، سواء لتنويع محافظها الاستثمارية، أو للتحوط ضد التضخم، أو لجذب المستثمرين الباحثين عن أرباح سريعة. شملت هذه الشركات منصات تداول العملات المشفرة وشركات التعدين، بالإضافة إلى شركات أخرى لا تنتمي بشكل مباشر إلى هذا المجال.
وقد لجأت بعض هذه الشركات إلى إصدار “سندات قابلة للتحويل” لتمويل عمليات الشراء، وهي سندات تتيح للمقرضين خيار تحويل الدين إلى أسهم في الشركة. ومع ذلك، عندما انخفض سعر بيتكوين، فضل المستثمرون استعادة أموالهم نقدًا بدلاً من الأسهم، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية للشركات.
تراجع سعر بيتكوين تدريجياً في الخريف، ووصل إلى أقل من 90 ألف دولار في نوفمبر، وهو مستوى أدنى من بداية العام. هذا الهبوط أدى إلى زعزعة الثقة في نموذج عمل هذه الشركات، وكشف عن نقاط ضعفها المالية. حاليًا، يتم تداول بيتكوين في نطاق 87 ألفًا إلى 88 ألف دولار، بقيمة سوقية تبلغ 1.75 تريليون دولار.
تحول المستثمرين نحو الأصول التقليدية
مع تراجع أسعار العملات المشفرة، بدأ المستثمرون في البحث عن بدائل أكثر استقرارًا. شهد الذهب والفضة ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، مع توقعات باستمرار هذا الصعود في عام 2026. كما ارتفعت مؤشرات البورصة الأمريكية، حيث سجل مؤشر “ستاندر آند بورز-500” ارتفاعًا بنسبة 18% خلال عام 2025، مدفوعًا بالاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي.
هذا التحول يعكس رغبة المستثمرين في تقليل المخاطر والحفاظ على قيمة استثماراتهم في ظل حالة عدم اليقين التي تشوب سوق العملات المشفرة.
هل تنفجر فقاعة الشركات المستثمرة في العملات المشفرة؟
يرى خبراء الاقتصاد أن الفقاعة المرتبطة بالشركات التي استثمرت بكثافة في العملات المشفرة “تنفجر ببطء”. ويشيرون إلى أن غياب الوضوح التنظيمي والمخاطر الأمنية، مثل عمليات القرصنة والاحتيال، يزيد من حذر المستثمرين.
شركة البرمجيات “إستراتيجي”، وهي أكبر شركة من حيث حيازة بيتكوين، تمتلك أكثر من 671 ألف عملة، أي ما يقرب من 3% من إجمالي المعروض. ومع ذلك، انخفض سعر سهم الشركة بأكثر من النصف خلال ستة أشهر، وتراجعت قيمتها السوقية إلى ما دون قيمة ما تملكه من بيتكوين. ويعود ذلك بشكل كبير إلى اعتمادها على السندات القابلة للتحويل، مما عرّضها لمخاطر ديون مرتفعة. للتخفيف من هذه المخاطر، جمعت الشركة 1.44 مليار دولار من خلال بيع جزء من ممتلكاتها من العملات المشفرة.
خطر العدوى ومستقبل الاستثمار في البيتكوين
تواجه شركة “سيكوانس” المتخصصة في أشباه الموصلات وضعًا مشابهًا، حيث باعت 970 عملة بيتكوين لتأمين سيولة لسداد ديونها. ويحذر الخبراء من أن “خطر العدوى” في أسواق العملات المشفرة قد يكون كبيرًا، لكنهم يستبعدون أن يكون له تأثير كبير على الأسواق التقليدية.
ومع ذلك، إذا اضطرت الشركات المتعثرة إلى بيع كميات كبيرة من بيتكوين دفعة واحدة، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على الأسعار وتفاقم الأزمة. في المقابل، يرى البعض أن هذه التقلبات هي “ثمن يجب دفعه مقابل إمكانات الصعود على المدى الطويل”.
البحث عن نماذج عمل جديدة
يتوقع الخبراء أن الشركات التي تمتلك احتياطيات كبيرة من بيتكوين ستضطر إلى إيجاد طرق جديدة للاستفادة من هذه الأصول، مثل تطوير منتجات مالية مبتكرة. ويشيرون إلى أن بعض الشركات قد لا تنجو، لكن النموذج العام للاستثمار في العملات المشفرة سيستمر، مع توقع حدوث عمليات اندماج في القطاع.
وقد أطلق رائد الأعمال الفرنسي إريك لارشُفيك أواخر نوفمبر شركة “ذي بيتكوين سوسايتي” المتخصصة في إدارة الأصول بالعملات المشفرة، مؤكدًا أن تراجع الأسعار قد يمثل “فرصة جيدة للشراء بأسعار أقل”.
في الختام، شهد عام 2025 اختبارًا حقيقيًا لسوق العملات المشفرة والشركات التي استثمرت فيها. على الرغم من التحديات التي واجهت هذا القطاع، لا يزال هناك أمل في مستقبل واعد، بشرط تطوير نماذج عمل مستدامة وتنظيم فعال لحماية المستثمرين. من المهم متابعة تطورات هذا السوق وتقييم المخاطر والفرص بعناية قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية.


