أظهرت دراسة هولندية حديثة نتائج مبهرة حول تأثير ضوء النهار الطبيعي على مرضى السكري من النوع الثاني. فقد كشفت الدراسة أن التعرض لساعات من ضوء الشمس الطبيعي يوميًا يمكن أن يساعد هؤلاء المرضى في تنظيم مستويات الغلوكوز في الدم بشكل أفضل، مما يفتح آفاقًا جديدة في إدارة هذا المرض المزمن.
فوائد ضوء النهار الطبيعي: أكثر من مجرد شعور بالراحة
لطالما عرفنا أن ضوء النهار الطبيعي يلعب دورًا هامًا في صحتنا العامة ومزاجنا. ومع ذلك، تشير الإحصائيات إلى أن غالبية سكان المجتمعات الغربية، ما بين 80% و 90%، يقضون معظم وقتهم داخل المباني المغلقة، معتمدين بشكل كبير على الإضاءة الاصطناعية. هذا الاعتماد له تأثير سلبي على صحتنا العامة، وعلى ساعتنا البيولوجية، وبالتالي على وظائف حيوية مثل الهضم وتنظيم درجة حرارة الجسم.
ولكن، حتى الآن، لم يتم إجراء دراسات مكثفة لتقييم تأثير ضوء النهار الطبيعي تحديدًا على مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري. هذه الدراسة الهولندية تسد هذه الفجوة المعرفية.
تفاصيل الدراسة الهولندية الرائدة
نشرت نتائج هذه الدراسة الهامة في الدورية العلمية المرموقة “Cell Metabolism”، المتخصصة في أبحاث التمثيل الغذائي. قام فريق البحث في معهد “NUTRIM” للتغذية والبحوث الانتقالية في مجال الأيض، التابع للمركز الطبي بجامعة ماستريخت في هولندا، بإجراء تجربة دقيقة على مجموعة مكونة من 13 مريضًا مصابًا بالسكري من النوع الثاني.
منهجية الدراسة
تم تعريض المشاركين في الدراسة لكل من الإضاءة الطبيعية والإضاءة الاصطناعية على مدار أربعة أيام. خلال هذه الفترة، التزم المشاركون بنظام غذائي موحد، وبرنامج تمارين رياضية محدد، وتناولوا جرعات الأدوية الموصوفة لهم. الهدف من ذلك كان عزل تأثير نوع الإضاءة على مستويات الغلوكوز في الدم.
النتائج المذهلة
أظهرت النتائج أن مستويات الغلوكوز في الدم ظلت مستقرة وطبيعية لدى المجموعة التي تعرضت لضوء النهار الطبيعي، مقارنة بالمجموعة التي تعرضت للإضاءة الاصطناعية. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ تغيير ملحوظ في عملية التمثيل الغذائي لدى المجموعة التي تعرضت لضوء الشمس. فقد قامت أجسامهم بحرق كمية أكبر من الدهون للحصول على الطاقة، وتقليل الاعتماد على الكربوهيدرات.
كيف يؤثر ضوء النهار على الساعة البيولوجية والتمثيل الغذائي؟
لم تقتصر نتائج الدراسة على مجرد ملاحظة تأثير ضوء النهار على مستويات الغلوكوز. فقد أظهر تحليل عينات العضلات التي تم جمعها من المتطوعين أن الجينات المسؤولة عن الساعة البيولوجية للجسم كانت تعمل بتناغم أكبر عند التعرض لضوء النهار الطبيعي.
هذا يشير إلى أن الإضاءة الطبيعية تساعد في معالجة المغذيات بشكل أكثر كفاءة داخل العضلات، مما يؤدي إلى تحسين عملية التمثيل الغذائي بشكل عام. وهذا يفسر جزئيًا سبب حرق الدهون بشكل أكبر وتقليل الاعتماد على الكربوهيدرات.
الآثار المترتبة على علاج مرض السكري وأمراض التمثيل الغذائي الأخرى
أكد الباحثون، في بيان نشره الموقع الإلكتروني “Medical Xpress” المتخصص في الأبحاث الطبية، أن هذه النتائج تشير إلى أن التعرض للإضاءة الطبيعية له تأثير إيجابي على عملية الأيض لدى مرضى السكري من النوع الثاني.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لهذه النتائج آثار إيجابية على علاج بعض أمراض التمثيل الغذائي الأخرى. فالساعة البيولوجية المضطربة مرتبطة بالعديد من المشاكل الصحية، بما في ذلك السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية. لذلك، فإن تعزيز انتظام الساعة البيولوجية من خلال التعرض لضوء النهار الطبيعي قد يكون استراتيجية علاجية واعدة.
نصائح عملية لمرضى السكري
بناءً على هذه الدراسة، يمكن لمرضى السكري من النوع الثاني اتخاذ بعض الخطوات البسيطة لتحسين صحتهم:
- حاول قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق كل يوم، خاصة خلال ساعات النهار.
- إذا كان ذلك غير ممكن، افتح الستائر والنوافذ للسماح بدخول أكبر قدر ممكن من ضوء النهار الطبيعي إلى منزلك أو مكان عملك.
- استخدم مصابيح تحاكي ضوء النهار الطبيعي في الأماكن المغلقة.
- حافظ على نمط حياة صحي يتضمن نظامًا غذائيًا متوازنًا وممارسة الرياضة بانتظام.
الخلاصة: مستقبل واعد لإدارة مرض السكري
تؤكد هذه الدراسة الهولندية على أهمية ضوء النهار الطبيعي لصحة الإنسان، وخاصة لمرضى السكري من النوع الثاني. إنها تفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث لاستكشاف إمكانات الإضاءة الطبيعية كعلاج تكميلي فعال لإدارة هذا المرض المزمن وأمراض التمثيل الغذائي الأخرى. من خلال تبني عادات صحية بسيطة، مثل قضاء المزيد من الوقت في الهواء الطلق، يمكننا جميعًا الاستفادة من قوة ضوء الشمس الطبيعي لتحسين صحتنا ورفاهيتنا.


