يعاني الكثير من الأشخاص من حركات لا إرادية في الرأس والرقبة، قد تكون مزعجة وتؤثر على جودة الحياة. هذه الحركات قد تشير إلى حالة طبية تسمى خلل التوتر العضلي العنقي، وهي حالة عصبية تتميز بتقلصات عضلية لا يمكن السيطرة عليها. هذا المقال سيتناول بشكل مفصل خلل التوتر العضلي العنقي، أسبابه، أعراضه، وكيفية التعامل معه وعلاجه، وذلك بالاستناد إلى معلومات من الجمعية الألمانية لخلل التوتر العضلي وجمعية الأطباء الأعصاب الألمانية. سنستكشف أيضاً العلاقة بين هذا الخلل و التواء الرقبة و الحركات اللاإرادية.
ما هو خلل التوتر العضلي العنقي؟
خلل التوتر العضلي العنقي هو اضطراب حركي عصبي مزمن يؤثر على عضلات الرقبة، ويسبب حركات متكررة، لا إرادية، ومؤلمة في كثير من الأحيان. يعتبر هذا النوع من خلل التوتر العضلي هو الأكثر شيوعاً، ويُعرف أيضاً باسم “التواء الرقبة التشنجي”. على عكس ما قد يوحي الاسم، لا يقتصر الأمر على مجرد التواء، بل يشمل مجموعة متنوعة من الحركات التي تخرج عن سيطرة الشخص. ينشأ هذا الخلل في الدماغ، تحديداً في مناطق مسؤولة عن التحكم في الحركة، مما يجعله تحدياً علاجياً.
أنواع حركات الرقبة اللاإرادية
تتنوع أشكال الحركات المصاحبة لخلل التوتر العضلي العنقي، وتشمل:
- ميلان جانبي: انحراف الرأس إلى أحد الجانبين.
- دوران: لف الرقبة بشكل لا إرادي.
- انحناء للأمام: إمالة الرأس نحو الصدر.
- انحناء للخلف: إمالة الرأس للخلف.
هذه الحركات قد تحدث بشكل متقطع أو مستمر، وتتراوح بين الخفيفة والشديدة.
أسباب خلل التوتر العضلي العنقي
في أغلب الحالات، لا يمكن تحديد السبب الدقيق لـ خلل التوتر العضلي العنقي. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى مجموعة من العوامل المحتملة:
- العامل الوراثي: حوالي 52% من المصابين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالمرض، مما يوحي بوجود طفرة جينية تلعب دوراً.
- تلف الدماغ: في بعض الحالات، يرتبط الخلل بتلف في الدماغ أو عضلات الرقبة.
- الأدوية: الاستخدام المطول لبعض الأدوية المضادة للذهان والأدوية النفسية قد يثير أو يزيد من حدة الأعراض.
- العوامل النفسية: قد يساهم التوتر الداخلي والمشاكل العاطفية في تفاقم الحالة.
من المهم ملاحظة أن هذه الأسباب ليست حتمية، وأن الإصابة بـ خلل التوتر العضلي العنقي لا تعني بالضرورة وجود سبب محدد.
من يصاب بخلل التوتر العضلي العنقي؟
تظهر هذه الحالة غالباً في مرحلة البلوغ، وعادةً ما بين سن العشرين والستين. وفقاً للجمعية الألمانية لطب الأعصاب، فإن النساء أكثر عرضة للإصابة بهذا الخلل مقارنة بالرجال. لا توجد عوامل خطر أخرى محددة سوى التاريخ العائلي، مما يجعل التشخيص المبكر والتدخل العلاجي أمراً بالغ الأهمية.
كيف يتم علاج خلل التوتر العضلي العنقي؟
للأسف، خلل التوتر العضلي العنقي يعتبر مرضاً غير قابل للشفاء التام. ومع ذلك، هناك العديد من العلاجات التي يمكن أن تساعد في تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة.
العلاج الطبيعي
يُعد العلاج الطبيعي حجر الزاوية في علاج هذا الخلل. يهدف تدريب العضلات إلى:
- تحسين مرونة الرقبة.
- تقليل شدة أو تكرار الانقباضات العضلية.
- تحديد الحركات التي تثير التشنجات، وبالتالي تجنبها.
العلاج بالبوتوكس
يعتبر العلاج بالبوتوكس فعالاً جداً في إرخاء العضلات المتضررة، مما يمنع الحركات اللاإرادية ويقلل الألم. عادةً ما يتم تكرار العلاج بالبوتوكس كل ثلاثة إلى أربعة أشهر للحفاظ على فعاليته.
العلاج الدوائي
بالإضافة إلى العلاج الطبيعي والبوتوكس، يمكن استخدام بعض الأدوية للمساعدة في السيطرة على الأعراض، مثل:
- مرخيات العضلات.
- مضادات الصرع.
- أدوية الأعصاب الأخرى.
التحفيز العميق للدماغ
في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاجات الأخرى، قد يتم اللجوء إلى إجراء التحفيز العميق للدماغ (Deep Brain Stimulation – DBS). يتضمن هذا الإجراء زرع أقطاب كهربائية صغيرة في مناطق معينة من الدماغ. يساعد التحفيز الكهربائي على تعديل مسارات الإشارات العصبية وتقليل أو إلغاء الحركات اللاإرادية. ومع ذلك، يجب النظر في هذا الإجراء بعناية فائقة بسبب المخاطر المحتملة.
التعامل مع خلل التوتر العضلي العنقي
التعايش مع الحركات اللاإرادية الناتجة عن هذا الخلل قد يكون صعبًا. إلى جانب العلاجات الطبية، يمكن للمرضى اتباع بعض النصائح لتحسين حالتهم:
- إدارة الإجهاد: تجنب المواقف المجهدة والمشاركة في أنشطة مريحة.
- الحفاظ على نمط حياة صحي: اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة بانتظام.
- الحصول على الدعم النفسي: التحدث إلى معالج أو الانضمام إلى مجموعة دعم.
في الختام، خلل التوتر العضلي العنقي هو حالة عصبية معقدة تتطلب تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً متعدد الأوجه. على الرغم من عدم وجود علاج شاف، إلا أن العلاج الطبيعي، والبوتوكس، والأدوية، وفي بعض الحالات، التحفيز العميق للدماغ، يمكن أن تساعد في تخفيف الأعراض وتحسين نوعية حياة المرضى. من الضروري استشارة طبيب متخصص للحصول على خطة علاجية مخصصة.


