العلاقة بين الاكتئاب والصرع: دراسات حديثة تكشف عن ارتباط خطير
الاكتئاب من الأمراض الشائعة التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، ولكن ما قد لا يعرفه الكثيرون هو تأثيره المحتمل على الأمراض الجسدية، وخاصةً الصرع. أظهرت دراستان حديثتان، نشرتا في ديسمبر 2025، وجود علاقة قوية بين الاكتئاب وزيادة صعوبة علاج الصرع، بل وربما المساهمة في الإصابة به. هذا الارتباط يثير قلقًا بالغًا ويستدعي مزيدًا من البحث والفهم، بالإضافة إلى أهمية توفير الرعاية النفسية المتكاملة للمرضى الذين يعانون من أي من هذين المرضين.
الاكتئاب يزيد من صعوبة الالتزام بعلاج الصرع
أظهرت دراسة تحليلية واسعة النطاق، شملت بيانات تأمين صحي لأكثر من 90 ألف شخص في الولايات المتحدة، أن المرضى الذين تم تشخيصهم حديثًا بالصرع والذين يعانون أيضًا من الاكتئاب، هم أكثر عرضة للتوقف عن تناول الأدوية المضادة للصرع بنسبة تصل إلى 40% خلال الأشهر الأولى من التشخيص.
أسباب انقطاع العلاج لدى مرضى الاكتئاب والصرع
هذا التوقف عن العلاج لا يعني بالضرورة الإهمال، بل قد يشمل عدة سيناريوهات:
- التوقف الكامل عن تناول الدواء.
- استبدال الدواء بآخر دون استشارة الطبيب.
- إضافة أدوية تكميلية أو بدائل غير تقليدية دون إشراف طبي.
هذه السلوكيات قد تؤدي إلى زيادة خطر النوبات وتدهور حالة المريض بشكل عام. كما كشفت الدراسة عن أن هذه الفئة من المرضى تواجه أيضًا احتمالات أعلى للإصابة بمشاكل صحية أخرى، مثل القلق واضطرابات النوم، بالإضافة إلى أمراض مزمنة كالسكري وأمراض الرئة والكلى، وحتى السكتات القلبية. هذا يشير إلى أن الاكتئاب لا يؤثر فقط على الالتزام بالعلاج، بل يؤثر أيضًا على الصحة العامة للمريض المصاب بالصرع.
الاكتئاب كعامل خطر للإصابة بالصرع
بالإضافة إلى تأثيره على علاج الصرع، كشفت دراسة ثانية أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب هم أكثر عرضة للإصابة بالصرع في مراحل لاحقة من حياتهم بمقدار ضعف ونصف. هذا الاكتشاف يغير النظرة التقليدية إلى الصرع كمرض عضوي بحت، ويبرز أهمية العوامل النفسية في تطوره.
الآليات العصبية المحتملة للارتباط بين الاكتئاب والصرع
يرى الباحثون أن هذا الارتباط قد يرجع إلى عدة عوامل:
- تداخل الشبكات العصبية: قد يشترك الاكتئاب والصرع في بعض الشبكات العصبية المشتركة في الدماغ، مما يجعل الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أكثر عرضة للتغيرات التي قد تؤدي إلى الصرع.
- التوتر المزمن: الاكتئاب غالبًا ما يصاحبه توتر مزمن، والذي يمكن أن يؤثر سلبًا على وظائف الدماغ ويزيد من خطر النوبات.
- اضطرابات النوم: يعتبر اضطراب النوم من الأعراض الشائعة للاكتئاب، وقد يكون له دور في تطور الصرع.
أهمية الرعاية المتكاملة للصحة النفسية والجسدية
يؤكد الدكتور هوارد جودكين، رئيس جمعية الصرع الأمريكية، على أهمية العناية الجيدة بصحة المرضى الذين يعانون من الاكتئاب، مشيرًا إلى أن ذلك يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ بشكل عام. وهذا يعني ضرورة توفير رعاية صحية متكاملة تجمع بين العلاج النفسي للأكتئاب والعلاج الدوائي للصرع، بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي والتثقيف الصحي.
خطوات عملية لتحسين الرعاية
- الفحص الروتيني للاكتئاب: يجب على الأطباء فحص المرضى الذين يعانون من الصرع بانتظام للكشف عن أي أعراض للاكتئاب.
- العلاج النفسي: يجب توفير العلاج النفسي المناسب للمرضى الذين يعانون من الاكتئاب، مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج الدوائي.
- التثقيف الصحي: يجب تثقيف المرضى وأسرهم حول العلاقة بين الاكتئاب والصرع، وأهمية الالتزام بالعلاج.
- الدعم الاجتماعي: يجب توفير الدعم الاجتماعي للمرضى وأسرهم، من خلال مجموعات الدعم أو الاستشارة الفردية.
الصرع والاكتئاب: نحو فهم أعمق
إن فهم العلاقة المعقدة بين الصرع والاكتئاب أمر بالغ الأهمية لتحسين جودة حياة المرضى. فمن خلال توفير الرعاية المتكاملة والتركيز على الصحة النفسية والجسدية على حدٍ سواء، يمكننا مساعدة المرضى على التحكم في أعراضهم، وتحسين التزامهم بالعلاج، والحد من خطر الإصابة بمضاعفات أخرى، مثل القلق واضطرابات النوم. كما أن البحث المستمر في الآليات العصبية التي تربط بين هذين المرضين يمكن أن يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة وأكثر فعالية. بالإضافة إلى ذلك، يجب زيادة الوعي المجتمعي حول الصرع والاكتئاب، وتخفيف الوصمة المرتبطة بهما، لتشجيع المرضى على طلب المساعدة والدعم. التعامل مع الصرع يتطلب نهجًا شاملاً يراعي جميع جوانب صحة المريض، بما في ذلك صحته النفسية.
Keywords used: الصرع (Epilepsy), الاكتئاب (Depression), علاج الصرع (Epilepsy Treatment)


