عمان- يعاني بعض الأشخاص من اضطرابات في الغدد جارات الدرقية مثل فرط النشاط أو القصور، مما قد يؤدي إلى أعراض مثل التشنجات العضليّة، واضطرابات في نبض القلب، وضعف العظام. فما هي جارات الغدة الدرقية؟ وما أبرز أمراضها؟ وكيف يتم علاج هذه الأمراض؟
تقع الغدد جارات الدرقية خلف الغدة الدرقية في الرقبة، وتفرز الهرمون الدُّرَيْقي ((PTH) Parathyroid Hormone) الذي يلعب دورا محوريا في الحفاظ على مستويات الكالسيوم في الدم والعظام.
ما هي الغدد جارات الدرقية؟
قال استشاري الغدد الصماء والسكري، الدكتور فوزات الشناق، إن الغدد الجارات الدرقية، أو ما يُعرف بالدريقات أو الغدد الجنب درقيّة، هي غدد صماء صغيرة جدا تقع في الجدار الخلفي للغدة الدرقية، وغالبا ما يكون عددها 4. وتقوم هذه الغدد بإفراز الهرمون الدُّرَيْقي، الذي يلعب دورا مهما في المحافظة على مستوى الكالسيوم في الدم من خلال تأثيره على العظام، الكلى، والأمعاء. وتمتاز هذه الغدد بحجم صغير جدا لا يتعدّى حجم حبّة الأرز، إذ يبلغ وزنها نحو 30 مليغراما لدى الرجال و35 مليغراما لدى النساء.
تصاب هذه الغدد أحيانا باضطرابات تنعكس على أدائها لوظائفها، وتشمل هذه الاضطرابات فرط نشاط الغدة الدرقية وقصوره، وأوضح الشناق أن فرط نشاط الغدد الجارات الدرقية (Hyperparathyroidism) قد يكون ناتجا عن عدّة أسباب، منها: انخفاض مستوى الكالسيوم في الدم بسبب نقص فيتامين “د”، أو نقص الكالسيوم في النظام الغذائي، أو سوء امتصاص الكالسيوم في الأمعاء. كما قد يكون السبب اضطرابات في وظائف الكلى أو استخدام بعض الأدوية التي تؤثر على العظام أو الكبد. ومن المسبّبات الأخرى لذلك وجود ورم (غالبا يكون الورم حميدا) في إحدى الغدد أو تضخمها (Hyperplasia)، مما يؤدي إلى زيادة إفراز الهرمون الدُّرَيْقي. وفي حالات نادرة، قد يكون السبب وراثيا، كما في حالة الإصابة بمتلازمة الورم الصماوي المتعدّد، التي يصاحبها ظهور أورام في الغدد الصماء الأخرى.
وفيما يتعلق بقصور الغدد جارات الدرقية (Hypoparathyroidism)، فذكر الشناق أن من أبرز أسباب قصور الغدد الجارات الدرقية إجراء جراحات في الرقبة، خاصة استئصال الغدة الدرقية أو علاج سرطانات الحلق والرقبة. كما يمكن أن يحدث القصور بسبب أمراض المناعة الذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي الغدد وكأنّها أجسام غريبة، مما يؤدي إلى توقّف إفراز هرمون الدرقي.
وتشمل الأسباب الأخرى القصور الوراثي نتيجة ولادة الطفل دون هذه الغدد، وكذلك انخفاض مستوى المغنيسيوم في الدم نظرا لأهميته في إفراز الهرمون. ويُضاف إلى ذلك التعرّض للعلاج الإشعاعي لأورام الوجه أو الرقبة، أو العلاج باليود المشع للغدة الدرقية، الذي قد يُتلف الغدد الجارات الدرقية.
الأعراض المرتبطة بأمراض الغدد جارات الدرقية
وأوضح الشناق أن فرط النشاط يؤدي إلى ارتفاع كبير في مستوى الكالسيوم في الدم، مما يسبب هشاشة العظام، تكون حصى في الكلى، تعب وإرهاق، آلام في المفاصل والعظام، اضطرابات في نبض القلب، جفاف، عطش شديد، زيادة في التبول، وقد تترافق الحالة مع اضطرابات عصبية وذهنية.
في المقابل، فإن القصور يؤدي إلى انخفاض الكالسيوم وارتفاع الفسفور، لأن الهرمون المسؤول عن تنظيم هذه النسب يكون منخفضا. وتظهر على المريض أعراض مثل وخز أو خدران في الشفتين وأطراف الأصابع، وتشنجات عضلية، خصوصا في الفم واليدين والذراعين، إلى جانب التعب العام. كما قد تظهر أعراض أخرى مثل هشاشة الأظافر، تساقط الشعر، جفاف وخشونة الجلد، الاكتئاب، القلق، وآلام الدورة الشهرية لدى النساء.
وبيّن الشناق أن تشخيص خلل الغدد يتم عبر الفحص السريري الذي قد يكشف عن التشنجات، بالإضافة إلى التحاليل المخبرية التي تُظهر انخفاض الكالسيوم وارتفاع الفسفور، وانخفاض الهرمون الدُّرَيْقي في حالة القصور. كما يُقاس مستوى المغنيسيوم لتحديد تأثيره. أما في حالة فرط النشاط، فتظهر التحاليل ارتفاعا في الهرمون الدُّرَيْقي والكالسيوم، وانخفاض الفسفور، وارتفاع إنزيم الفوسفاتاز القلوي (Alkaline phosphatase (ALP)). ويتم تشخيص وجود ورم أو تضخم بالغدد من خلال التصوير التلفزيوني (Ultrasound Scan) أو التصوير النووي (Sestamibi Scan).
وأكد الشناق أن عدم علاج خلل الغدد، سواء في حالة القصور أو فرط النشاط، قد يؤدي إلى مضاعفات شديدة مثل التشنجات، هشاشة العظام، اضطرابات القلب، ومشاكل الكلى والجهاز العصبي.
أما فيما يتعلق بالعلاج، فأشار إلى أن فرط النشاط يُعالج غالبا بالجراحة لاستئصال الغدة المتضخمة. وفي حال تعذر الجراحة، يُستخدم دواء “سيناكالسيت” (Cinacalcet) الذي يثبط إفراز الهرمون. أما القصور فيُعالج بإعطاء مكملات الكالسيوم وهرمون فيتامين “د” الفعّال (Alfacalcidol)، وفي بعض الحالات النادرة يُستخدم الهرمون الدُّرَيْقي الصناعي (Recombinant PTH)، رغم ارتفاع كلفته، ويُعطى باستخدام حقن تحت الجلد.
وأكد الشناق على ضرورة التشخيص المبكر والعلاج الفوري لتفادي المضاعفات، متمنيا للجميع دوام الصحة والعافية، وللمرضى الشفاء العاجل.

متى يحتاج المرضى للجراحة؟
قال اختصاصي جراحة الغدة الدرقية والغدد الصماء، الدكتور سهيل يوسف بكّار، إن فرط إفراز هرمون الغدة الجار درقية يُعد من الحالات التي تتطلب التدخل الجراحي في بعض أنواعها، وتحديدا في حالة “الفرط الأولي”، حيث يكون السبب غالبا وجود ورم حميد في غدة واحدة من الغدد الأربع المسؤولة عن تنظيم الكالسيوم في الجسم.
وأشار بكّار إلى أن الجراحة تصبح ضرورية عند وجود فرط إفراز أولي للهرمون، حيث تفرز الغدة المصابة الهرمون بشكل مفرط بسبب ورم حميد. ويحدث ذلك في 90% من الحالات بسبب غدة واحدة فقط، بينما قد تُصاب غدتان في 5–7% من الحالات، ونادرا ما تُصاب الغدد الأربع، ويكون السبب آنذاك فرط نمو خلايا الإفراز لا الأورام.
وقال: “في حالة الفرط الأولي، لا يكون العلاج الدوائي كافيا، ويُعد الاستئصال الجراحي للغدة المصابة هو الحل الوحيد”.
أنواع العمليات
أوضح بكّار أن هناك تطورا كبيرا في أنواع العمليات الجراحية في هذا المجال. فبعد أن كانت تُجرى العمليات باستكشاف كامل للرقبة، مما يتطلب فتحا جراحيا واسعا، أصبح بالإمكان اليوم بفضل التصوير التلفزيوني والنووي تحديد الغدة المصابة بدقة تصل إلى 85%، مما يتيح إجراء عمليات ذات تدخل محدود.
وأضاف بكّار: “نستطيع اليوم إجراء الجراحة من خلال جرح صغير تجميلي في الرقبة، أو حتى عن طريق المنظار عبر الفم أو الرقبة، مما يقلل من حجم الندبة، ويُسرّع التعافي بشكل كبير”.
وأوضح بكّار أن الجراحة آمنة جدا ونسبة نجاحها تتجاوز 98%، خاصة إذا أُجريت على يد اختصاصي متمرس. إلا أنه نبّه إلى بعض المضاعفات النادرة مثل: إصابة العصب الصوتي (بحة صوت مؤقتة بنسبة أقل من 1%)، النزيف (نادر جدا)، وانخفاض مؤقت في الكالسيوم نتيجة ما يعرف بمتلازمة العظم الجائع.
فترة التعافي
وقال بكّار: “إذا كانت الجراحة محدودة التدخل، فإن المريض يستطيع العودة إلى حياته الطبيعية خلال يومين فقط، دون الحاجة للبقاء الطويل في المستشفى، بشرط استقرار مستوى الكالسيوم”.
وأضاف بكّار أن من أهم الخطوات بعد العملية مراقبة مستوى الكالسيوم، مع إمكانية وصف مكملات الكالسيوم وفيتامين” د” مؤقتا. كما أن متابعة وظائف الكلى والعظام ضرورية للتأكد من تمام الشفاء.
وأوضح بكّار أن احتمالية تكرار فرط الإفراز الأولي منخفضة جدا، إلا في حالات وراثية نادرة، التي قد تتطلب جراحات إضافية إذا أصيبت غدد أخرى.
وأشار بكّار إلى أن التعامل مع أي مضاعفات يتم حسب نوعها، مثل إعطاء الكالسيوم الوريدي في حال النقص الحاد، أو إعادة الجراحة في حال عدم نجاح العملية الأولى.
وأكد بكّار أن هذه الحالة من الحالات النادرة التي يلاحظ فيها المريض تحسنا فوريا بعد الجراحة، وقال: “يلاحظ المريض فور استيقاظه من التخدير اختفاء آلام العظام وتحسن حالته الذهنية، مما يجعل من هذه الجراحة تدخلا حاسما وفعالا في تحسين جودة الحياة.”