في العقود الأخيرة، ارتفع استهلاك زيت فول الصويا بشكل كبير، ليصبح الزيت الأكثر استخدامًا في الولايات المتحدة ويدخل في تركيب العديد من الأطعمة المصنعة. لكن، هل هذا الارتفاع له ثمن صحي؟ دراسة أمريكية حديثة تثير تساؤلات حول العلاقة بين زيت فول الصويا والسمنة، وتكشف عن آلية معقدة قد تفسر لماذا يكتسب البعض وزنًا بسهولة أكبر من غيرهم. هذه الدراسة، التي أجريت في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، تقدم رؤى جديدة حول تأثير هذا الزيت الشائع على عملية الأيض، وتدعو إلى إعادة النظر في عاداتنا الغذائية.

ما الذي كشفته الدراسة حول زيت فول الصويا والسمنة؟

أظهرت التجارب التي أجريت على الفئران أن اتباع نظام غذائي غني بالدهون و زيت فول الصويا يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الوزن لدى معظم الفئران. لكن الأمر المثير للاهتمام هو أن هذه الزيادة في الوزن لم تحدث لدى مجموعة من الفئران المعدلة وراثيًا. يكمن الاختلاف في شكل بروتين الكبد الذي تنتجه هذه الفئران، وهو بروتين يسمى HNF4α.

دور بروتين HNF4α في عملية الأيض

هذا البروتين يؤثر بشكل كبير على مئات الجينات المسؤولة عن عملية التمثيل الغذائي للدهون. يبدو أنه يغير أيضًا الطريقة التي يعالج بها الجسم حمض اللينوليك، وهو المكون الرئيسي في زيت فول الصويا. اختلاف شكل هذا البروتين قد يفسر لماذا تختلف استجابة الأفراد لأنظمة غذائية مماثلة، ولماذا يميل البعض إلى اكتساب الوزن بسهولة أكبر من غيرهم.

كما أوضحت الدكتورة سونيا ديول، عالمة الطب الحيوي ورئيسة الفريق البحثي، أن هذه الدراسة قد تكون “الخطوة الأولى نحو فهم سبب اكتساب بعض الأشخاص للوزن بسهولة أكبر من غيرهم عند اتباع نظام غذائي غني بزيت فول الصويا”.

الأوكسيليبينات: حلقة الوصل بين زيت فول الصويا وزيادة الوزن

بناءً على أبحاث سابقة أجراها فريق جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، تم تحديد أن المشكلة لا تكمن في الزيت نفسه أو حتى في حمض اللينوليك مباشرة، بل في الجزيئات التي يتحول إليها داخل الجسم. هذه الجزيئات تسمى الأوكسيليبينات (Oxylipins)، وهي ناتجة عن عملية أيض لحمض اللينوليك وحمض ألفا لينولينيك (وهو حمض دهني موجود أيضًا في الزيت).

زيادة استهلاك حمض اللينوليك تؤدي إلى زيادة إنتاج الأوكسيليبينات، والتي ترتبط بالالتهابات وتراكم الدهون. الفئران المعدلة وراثيًا في الدراسة أظهرت انخفاضًا ملحوظًا في مستويات الأوكسيليبينات، بالإضافة إلى كبد أكثر صحة وتحسن في وظائف الميتوكوندريا، مما يعزز مقاومتها لزيادة الوزن.

العلاقة بين الأوكسيليبينات وتوزيع الدهون في الجسم

الاكتشاف الأهم هو أن الباحثين ربطوا بين تراكم أنواع معينة من الأوكسيليبينات وزيادة الوزن لدى الفئران الطبيعية. ومع ذلك، وجدت الدراسة أيضًا أن مجرد وجود الأوكسيليبينات لا يكفي لإحداث السمنة، مما يشير إلى أن عوامل أيضية أخرى تلعب دورًا مهمًا.

بالإضافة إلى ذلك، تبين أن ارتفاع مستويات الأوكسيليبينات يقتصر على الكبد، وليس الدم. هذا يعني أن الاختبارات الدموية الروتينية قد لا تكون قادرة على الكشف عن التغيرات الأيضية المبكرة المرتبطة باستهلاك زيت فول الصويا.

الاستهلاك المتزايد من زيت فول الصويا: نظرة تاريخية

منذ القرن الماضي، زاد استهلاك زيت فول الصويا في الولايات المتحدة بمقدار خمسة أضعاف، ليصل إلى ما يقرب من 10% من إجمالي السعرات الحرارية المتناولة يوميًا. على الرغم من أن فول الصويا يعتبر مصدرًا جيدًا للبروتين النباتي، وأن زيت فول الصويا لا يحتوي على الكوليسترول، إلا أن الإفراط في استهلاكه قد يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة.

الأبحاث الحديثة أظهرت حتى أن زيت فول الصويا قد يرتبط بارتفاع مستويات الكوليسترول في الفئران، على الرغم من خلوه من الكوليسترول.

الخطوات التالية والتوصيات المستقبلية

يقوم الباحثون حاليًا بدراسة الآلية الدقيقة التي من خلالها يتسبب تكوين الأوكسيليبينات في زيادة الوزن، وما إذا كانت الزيوت الأخرى الغنية بحمض اللينوليك، مثل زيت الذرة وزيت عباد الشمس وزيت بذور اللفت، لها تأثيرات مماثلة.

تؤكد الدكتورة فرانسيس سلاديك أن زيت فول الصويا ليس “شريراً” بطبيعته، ولكن الكميات الكبيرة التي نتناولها منه قد تحفز مسارات أيضية لم تتطور أجسامنا للتعامل معها.

وعلى الرغم من عدم وجود خطط لإجراء تجارب بشرية مباشرة، يأمل الفريق أن تساعد هذه النتائج في توجيه الأبحاث المستقبلية وصياغة توصيات غذائية أكثر دقة. و ترى الدكتورة سلاديك أن الأمر قد يستغرق وقتًا طويلاً حتى يدرك المجتمع المخاطر المحتملة للإفراط في استهلاك زيت فول الصويا، على غرار ما حدث مع التدخين قبل عقود.

في الختام، تقدم هذه الدراسة دليلًا مقنعًا على أن زيت فول الصويا قد يلعب دورًا في السمنة، وتشجع على المزيد من البحث لفهم الآثار الصحية طويلة المدى لهذا الزيت المستخدم على نطاق واسع. من الضروري أن نكون على دراية بمصادر الدهون في نظامنا الغذائي، وأن نسعى إلى تحقيق التوازن والاعتدال لضمان صحة أفضل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version