كأنما عاد الزمن بالمخضرمين من زوار مهرجان الأطاولة الثامن إلى ما قبل نصف قرن، وهم يشاهدون بأم أعينهم ( حفيدات ) من منطقة الباحة؛ يستعدن مهام الأمهات والجدات في بيوتهن وحقولهن ومرعى أغنامهن و أودية احتطابهن، و ركن صناعتهن التقليدية، ليذكّروا الزوار بما كانت عليه يوميات مجتمع الانتاج الذي أسهمت فيه المرأة بإبداع و مجارة لرفيق دربها الرجل دون كلل ولا ملل، واستعادوا مع فاروق جويدة(وكأنّ شيئاً عاش في قلبي وتسقط دمعتان، فالعطر عطرك والمكان..هو المكان، لكن شيئا قد تباعد بيننا لا أنت أنت..ولا الزمان هو الزمان).
ومن خلال تنظيم المهرجان فعالية “أعمال الأمهات قديماً”، جسّد الصغيرات المميزات؛ حياة الجدة والأم والأخت والبنت في الماضي أمام حضور تملكته الدهشة وسكنه الحنين، بما أعادته اليوميات النسائية إلى الذاكرة، من أدوار سيدات منطقة الباحة في خدمة أُسرهن و الشراكة الفاعلة مع الرجل من مطلع الفجر إلى المبيت، إذ يبدأ يومها بصلاة الفجر؛ ثم إعداد ما تيسر من إفطار للزوج وأهله و العيال، والانطلاق لجلب الماء من الآبار؛ و تأمين الحطب من أودية تضاريسها وعرة، وحمل الصوف من وإلى الأسواق ، والغزل والنسيج ، و إبداعها في مواسم الأفراح شِعراً وفلكلوراً، و كل ذلك يتأتى بقدرات وهمم عالية ونفوس سخيّة في أزمنة شحيحة.
وتخللت الفعالية عروض حيّة، شملت إعداد الأطعمة، ونسج السلال والحصر، وعرض الأدوات التقليدية المستخدمة آنذاك، ما أتاح للزوار فرصة التعرف عن قرب على تفاصيل حياة الأرياف المعتمدة على الإمكانات المتاحة، و التفنن في الاختراع والمحاكاة بصور فاتنة، ما أذكى مشاعر الامتنان لمن أسهمن بأيديهن و أصواتهن في بناء منظومة إنسانية تكاملية ، ما أغرى الزوار من الأطفال والشباب، بتوثيق لقطات تخلّد في الوجدان صور من بيئات تعتز باسترجاع يومياتها.
يذكر أنّ مهرجان الأطاولة الثامن، يهدف إلى إبراز التراث المحلي، متطلّعاً إلى الحفاظ عليه، ونقله للأجيال المتعاقبة، ما يُسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ قيم الانتماء للتاريخ الوطني المتجدد.
أخبار ذات صلة