حددت ورشة عمل حول “الذكاء الاصطناعي في الصحافة” نظمتها هيئة الصحفيين السعوديين وفرعها في منطقة مكة المكرمة بالتعاون مع شركة كدانة للتنمية والتطوير، مسارات جديدة لتطوير العمل الصحفي في المملكة العربية السعودية. ركزت الورشة على استكشاف كيف يمكن للصحفيين الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة والدقة والابتكار في عملهم، وذلك في ظل التطورات الرقمية السريعة التي يشهدها قطاع الإعلام عالميًا.

عقدت الورشة بحضور نخبة من الصحفيين والإعلاميين، واستعرضت دراسة حديثة قدمتها الدكتورة غيداء الجويسر من جامعة الملك عبدالعزيز. أظهرت الدراسة أن السعودية والإمارات العربية المتحدة تتبادران دوليًا في مجال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث بلغت نسبة التبني 71%، متجاوزةً بذلك المتوسط العالمي. هذا التوجه يعكس رؤية المملكة نحو التحول الرقمي الشامل، بما في ذلك تطوير قطاع الإعلام.

تأثير الذكاء الاصطناعي على المشهد الإعلامي

أكدت الدراسة أن البيانات الضخمة أصبحت عنصراً أساسياً في العملية الصحفية الحديثة. الذكاء الاصطناعي يتيح معالجة هذه البيانات وتحليلها بشكل أسرع وأكثر فعالية، مما يساعد الصحفيين على اكتشاف القصص الخفية وتحديد الاتجاهات الهامة. بالإضافة إلى ذلك، ساهم الذكاء الاصطناعي في أتمتة المهام الروتينية، مثل جمع المعلومات الأولية وكتابة التقارير الموجزة، بنسبة تصل إلى 40%.

هذا التطور يحرر الصحفيين للتركيز على جوانب أكثر إبداعًا وتعقيدًا في عملهم، مثل التحقيقات الاستقصائية المعمقة، والتقارير التفاعلية، وتحليل البيانات المعقدة. يشير هذا إلى تحول دور الصحفي من مجرد ناقل للمعلومات إلى محلل بيانات وقارئ للاتجاهات، وقادر على تقديم رؤى قيمة للجمهور.

تحديات تبني الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي

على الرغم من الإمكانات الواعدة، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي. أبرز هذه التحديات ارتفاع تكاليف تطوير واستخدام هذه التقنيات، والقصور اللغوي للنماذج الحالية في التعامل مع تعقيدات اللغة العربية، وغياب التشريعات التنظيمية والأخلاقية التي تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.

أظهرت الدراسة وجود فجوة في الثقة، حيث أن 63% من المؤسسات الإخبارية العربية لا تفصح عن استخدامها لتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا النقص في الشفافية قد يؤثر سلبًا على مصداقية هذه المؤسسات في نظر الجمهور.

الحاجة إلى تطوير نماذج لغوية عربية

شددت الورشة على ضرورة تطوير نماذج لغوية متخصصة باللغة العربية قادرة على فهم الفروق الدقيقة في المعنى والسياق. هذا يتطلب استثمارات كبيرة في البحث والتطوير، وتعاونًا بين المؤسسات الأكاديمية وشركات التكنولوجيا. كما دعت الورشة إلى تحديث المناهج الجامعية لتعزيز الثقافة التقنية لدى طلاب الإعلام والصحافة، وإعدادهم لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال.

بالإضافة إلى ذلك، أكدت الورشة على أهمية وضع مواثيق أخلاقية واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، وتضمن الشفافية والمساءلة، وتحمي حقوق الجمهور. هذه المواثيق يجب أن تتناول قضايا مثل التحيز في الخوارزميات، وحماية الخصوصية، ومكافحة الأخبار الكاذبة.

قدمت الدكتورة الجويسر قائمة بأكثر من 100 تطبيق للذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة، بما في ذلك التصميم، والمونتاج، والأمن السيبراني، والتسويق، والرعاية الصحية، وإنشاء المحتوى النصي. هذه القائمة تعكس التنوع الكبير في استخدامات الذكاء الاصطناعي، والإمكانات الهائلة التي يوفرها للصحفيين والإعلاميين.

أعرب مدير فرع هيئة الصحفيين السعوديين بمنطقة مكة المكرمة، فهد الإحيوي، عن تقديره لمشاركة الدكتورة الجويسر، مؤكدًا أن الورشة تأتي ضمن سلسلة مبادرات تهدف إلى مواكبة التطورات العالمية في قطاع الإعلام. كما وجه شكره لشركة كدانة على دعمها ومساهمتها في تطوير المشاعر المقدسة.

في الختام، تم تكريم الدكتورة الجويسر والمهندس محمد المجماج، الرئيس التنفيذي لشركة كدانة، تقديرًا لجهودهم في دعم الحراك الإعلامي وخدمة ضيوف الرحمن. من المتوقع أن تستمر هيئة الصحفيين السعوديين في تنظيم ورش عمل ومؤتمرات مماثلة لتعزيز الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي في الصحافة، وتشجيع الصحفيين على تبني هذه التقنيات في عملهم. يبقى التحدي الأكبر هو تطوير نماذج لغوية عربية قادرة على منافسة النماذج العالمية، وتلبية احتياجات الإعلام العربي المتزايدة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version