• عقد الزواج مقاصده سامية وغاياته مباركة فيه المودة والرحمة والسكن بين الزوجين
  • إذا اجتهد الزوجان ببذل الأسباب في الإصلاح ولم تستقر لهم الحياة الزوجية وكان لابد من الفراق فليكن بالمعروف والإحسان

أسامة أبو السعود

أكدت خطبة الجمعة المعممة على مختلف مساجد البلاد ان الزواج عهد وثيق لما فيه من حق الصحبة والعشرة، ووصفه بالغلظة لقوته وعظمته، لأن المرأة صارت بهذا العقد حلالا لزوجها، ونتج عن هذا العقد حقوق والتزامات على الزوجين، وترتب على عقد النكاح مسؤولية عظيمة وغاية من أسمى الغايات وهي تكوين الأسرة، ورعاية الأبناء، وبناء المجتمع المسلم الذي يمتثل أمر الله، ويقوم بنشر دين الله.

واوضحت الخطبة التي أعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة بقطاع المساجد بوزارة الشؤون الإسلامية بعنوان «الميثاق الغليظ» أن عقد الزواج مقاصده سامية وغاياته مباركة، فيه المودة والرحمة والسكن بين الزوجين: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم:21].

وشبه الله سبحانه وتعالى العلاقة بين الزوجين باللباس، قال – جل وعلا: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( فكل واحد من الزوجين ستر لصاحبه لما بينهما من القرب والستر، فمن تأمل هذه المعاني وهذا الوصف القرآني البديع أدرك أن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة مجردة لإشباع الرغبات بل علاقة مبنية على الحب والعطف، قوامها الكرامة والبذل والعطاء، تحوطها وتحفها من جوانبها الرأفة والرحمة.

وأكدت ان عقد يبنى على هذه المقاصد والغايات حري أن تعظم حقوقه ويقام بواجباته أتم القيام امتثالا لأمر الله، واحتسابا للأجر والثواب، ورعاية للوفاء بالعقد والميثاق.

وفيما يلي تفاصيل الخطبة.

‏‎الحمد لله العزيز الوهاب الذي خلق الخلق ليعبدوه وبالإلهية يفردوه، فهو جل وعلا – أهل الثناء والمجد، المتفضل على عباده بنعمه التي لا تحصى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [النحل: 18]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم الجواد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى والرشاد، والدعوة إلى سبيل الحق المبين، والصراط المستقيم، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

‏‎أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أنكم إليه راجعون: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)[البقرة: 281].

معاشر المسلمين:

أوجد الله عباده من العدم، وخلقهم لعبادته وحده لا شريك له: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56]، وجعل العلاقة بين الذكر والأنثى سبب الإيجاد والخلق لبني آدم: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات) [النحل: 72]، فشرع الله عقد النكاح بين الرجل والمرأة، ووصفه بالميثاق الغليظ، (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) [النساء: 21]، فهذا الميثاق الغليظ: هوما أخذ للمرأة على زوجها عند عقد النكاح على إمساكها بمعروف، أو تسريحها بإحسان، عن جابر الله في خطبة النبي ﷺ في حجة الوداع، أنه قال: «فاتقوا الله في النساء. فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» [رواه مسلم]، فالزواج عهد وثيق لما فيه من حق الصحبة والعشرة، ووصفه بالغلظة لقوته وعظمته، لأن المرأة صارت بهذا العقد حلالا لزوجها، ونتج عن هذا العقد حقوق والتزامات على الزوجين، وترتب على عقد النكاح مسؤولية عظيمة وغاية من أسمى الغايات، تكوين الأسرة، ورعاية الأبناء، وبناء المجتمع المسلم الذي يمتثل أمر الله، ويقوم بنشر دين الله.

‏‎عباد الله:

إن عقد الزواج مقاصده سامية وغاياته مباركة، فيه المودة والرحمة والسكن بين الزوجين: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم:21]، وشبه الله العلاقة بين الزوجين باللباس، قال ـ جل وعلا: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾ [البقرة: 187]، فكل واحد من الزوجين ستر لصاحبه لما بينهما من القرب والستر، فمن تأمل هذه المعاني وهذا الوصف القرآني البديع أدرك أن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة مجردة لإشباع الرغبات بل علاقة مبنية على الحب والعطف، قوامها الكرامة والبذل والعطاء، تحوطها وتحفها من جوانبها الرأفة والرحمة، فعقد يبنى على هذه المقاصد والغايات حري أن تعظم حقوقه ويقام بواجباته أتم القيام امتثالا لأمر الله، واحتسابا للأجر والثواب، ورعاية للوفاء بالعقد والميثاق: يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 6]، وعن عقبة بن عامر الجهني ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أحق الشروط أن يوفى بها: ما استحللتم به الفروج»[رواه البخاري ومسلم].

‏‎أيها المؤمنون:

إن من عناية الإسلام بعقد الزواج: أن جعل لهذا العقد مقدمات تمهد لتلك الحياة الزوجية، وذلك الميثاق الغليظ، فتشرع الخطبة مقدمة لعقد النكاح وإيذانا ببدء العلاقة بين الزوجين، يتحرى فيها الزوج اختيار ذات الدين والخلق ممتثلا وصية النبي الكريم، فعن أبي هريرة الله عن النبي ﷺ قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» [رواه البخاري ومسلم].

فعقد فيه هذه المقومات النبيلة وتلك الخصال الحميدة جدير أن يحفظ ويصان، ويقام بحقوقه خير قيام، فتكون به الحياة سعيدة والبيوت آمنة مطمئنة، يؤدي فيه الزوجان الحقوق الواجبة عليهما، قائمين فيما بينهما بالمعاشرة بالمعروف امتثالا لأمره – جل وعلا: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19]، بطيب الأقوال، وحسن الأفعال، وجمال الهيئات، وقد كان رسول الله ﷺ خير الناس لأهله، فكان صلوات ربي وسلامه عليه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسع عليهم بالنفقة، فلنا به الأسوة الحسنة، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب: 21].

وخير النساء هي التي تقوم بحقوق زوجها وتطيعه بالمعروف فعن أبي هريرة لله قال: قيل لرسول الله ﷺ أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون.

وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

‏‎الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

فاتقوا الله – عباد الله – حق التقوى، واعلموا أنه من اتقى الله وقاه، ومن لاذ به حفظه وحماه.

معاشر المسلمين:

إن الحياة الزوجية قد يشوبها شيء من المنفصات والمكدرات، فإن كان بين الزوجين أمر من ذلك، فليحرصوا على إصلاحه فيما بينهما، فإن أرادا إصلاحا وفقهم الله للخير والألفة، تسليما لأمر الله وحكمته، (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) [النساء: 35]، وقد يكون بين الزوجين من الجفاء وعدم الألفة فيصبران على ذلك، فيبدلهما الله خيرا، فيكون التوفيق والسعادة في الصبر: فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) [النساء: 19]، وعن أبي هريرة لله قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر، أو قال: غيره» [رواه مسلم].

فإذا استقامت الحياة الزوجية واستقرت الأسرة المسلمة، فلا يجوز للزوجة طلب الطلاق من زوجها، وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، عن ثوبان له قال: قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة» [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].

أيها المؤمنون:

إذا اجتهد الزوجان ببذل الأسباب في الإصلاح، ولم تستقر لهم الحياة الزوجية، وكان لابد من الفراق، فليكن الفراق بالمعروف والإحسان، (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا) [البقرة: 231]، فيكون الطلاق بالصفة التي جاء بها القرآن وسنة النبي ﷺ فتكون طلقة واحدة رجعية، في طهر لا في حيض، طهر لم يمسها فيه، فهذا هو طلاق السنة، وسوى هذه الصفة يكون الطلاق بدعيا يأثم المطلق به، وتلزم المرأة بعد الطلاق بيت زوجها، (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [الطلاق: 1]، والقصد من هذه الصفة في الطلاق: الإحسان وعدم قطع الأسباب لرجوع الزوج، لأن المطلقة الرجعية زوجة له ما لم تنقض عدتها، فإن كانت في بيته وقريبة منه، فلعله يراجع نفسه وتكون له فرصة باستمرار الحياة الزوجية، فقد يستعجل الإنسان ثم يندم في الفراق، فمن اتبع السنة وامتثل أمر ربه وفق للخير والإصلاح.

اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ربنا ألهمنا شكر نعمتك، ودوام عافيتك، وجنبنا فجاءة نقمتك وجميع سخطك، وبارك اللهم لنا في أوقاتنا وأموالنا، وأولادنا وأزواجنا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين اللهم وفق أميرنا وولي عهده لهداك، واجعل عملهما في رضاك، وألبسهما ثوب الصحة والعافية والإيمان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version