في تطورات لافتة، أعلنت إسرائيل عن سلسلة إقالات طالت مسؤولين كبارًا في جهاز الأمن، وذلك على خلفية فشل الاستخبارات والأداء العسكري الذي سبق وأثناه هجوم السابع من أكتوبر 2023. تأتي هذه الإجراءات في خضم جدل واسع حول المسؤولية عن هذا الفشل الذريع، وطالبت أصوات عديدة بإجراء تحقيق شامل ومستقل. هذه التحركات تثير تساؤلات حول مستقبل الجيش الإسرائيلي، وإمكانية حدوث إصلاحات جذرية في هيكله وطريقة عمله. محور هذه المقالة هو تحليل تفاصيل هذه الإقالات الأمنية الإسرائيلية، وأسبابها، وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي والعسكري.
أسباب الإقالات: مراجعة وتقييم لما بعد طوفان الأقصى
أصدر رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، قرارات بإقالة عدد من رؤساء أجهزة الأمن الاحتياط، بالإضافة إلى ضباط سابقين، متهمين إياهم بالفشل في استشعار التهديد المتصاعد من قطاع غزة، أو في الاستعداد بشكل كافٍ لمواجهة الهجوم المفاجئ الذي أطلقته حركة حماس. وتشمل الإقالات الرئيسية رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، ورئيس الاستخبارات العملياتية السابق، وقائد القيادة الجنوبية سابقًا، وقائد الوحدة 8200، بالإضافة إلى قيادات أخرى في فرقة غزة والقيادة الجنوبية.
هذه الإقالات لم تكن مفاجئة، بل جاءت كنتيجة مباشرة للتحقيقات الأولية التي جرت بعد أحداث 7 أكتوبر. الهدف من هذه الإجراءات هو تحميل المسؤولية، وإظهار جدية الجيش في التعامل مع الأخطاء التي أدت إلى هذا الفشل. كما تهدف إلى استعادة ثقة الجمهور في قدرة الجيش على حماية البلاد. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن هذه الإقالات جاءت بتوصية من لجنة “ترجمان” التي أوكلت لها مهمة فحص التحقيقات المتعلقة بالحرب.
تفاصيل الإقالات وتفاعل المسؤولين
لم تقتصر الإقالات على المسؤولين الذين تركوا مناصبهم بالفعل، بل امتدت لتشمل بعض القيادات الحالية. فقد تم تسليم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الحالي ملاحظة قيادية بدلًا من إقالته، بينما حصل قائد سلاح الجو على مذكرة قيادة دون توبيخ أو إقالة. هذا التفاوت في التعامل مع المسؤولين أثار مزيدًا من الجدل، واعتبره البعض دليلًا على محاولة تسييس عملية المحاسبة.
أحد أبرز التفاعلات كان رد فعل قائد الوحدة 8200 المقال. وفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، فقد اعتذر القائد عن “سوء تقديره” وتحمل “المسؤولية الشخصية”، معربًا عن عدم رغبته في البقاء في الاحتياط لأنه كان يعلم بالعواقب. هذا الاعتراف الصريح بالمسؤولية يعتبر نادرًا في مثل هذه الحالات، وقد أثار إعجاب البعض.
ردود الفعل السياسية والجدل حول لجنة التحقيق
الإقالات الأمنية الإسرائيلية لم تمر دون ردود فعل سياسية. فقد انتقد رئيس الأركان السابق، غادي آيزنكوت، هذه القرارات بشدة، مؤكدًا أن المسؤولية النهائية عن الفشل الأمني تقع على عاتق القيادة السياسية. هذا التصريح يعتبر بمثابة تحدٍ مباشر للحكومة، ويؤكد وجود انقسامات عميقة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
وتتصاعد المطالبات بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف ملابسات الفشل في 7 أكتوبر. يطالب المعارضون بلجنة تحقيق “خارجية، منهجية، متعددة التخصصات، ومتكاملة” تتمتع بصلاحيات واسعة، بما في ذلك القدرة على إقالة المسؤولين. بينما ترفض الحكومة، برئاسة بنيامين نتنياهو، هذه المطالبات، مدعيةً أن تشكيل لجنة تحقيق رسمية سيثير انقسامات أكبر في المجتمع الإسرائيلي. التحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر أصبح الآن قضية سياسية بامتياز.
تداعيات الإقالات المحتملة على الأمن الإسرائيلي
من المرجح أن تؤدي هذه الإقالات الأمنية الإسرائيلية إلى حالة من عدم الاستقرار داخل الجيش الإسرائيلي. فقد يشعر بعض الضباط بالقلق من أنهم قد يكونون هدفًا للإقالة إذا ارتكبوا أخطاء في المستقبل. كما قد يؤدي ذلك إلى تراجع الروح المعنوية، وفقدان الثقة في القيادة العليا.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الإقالات إلى تباطؤ عملية اتخاذ القرارات، وتأخير الاستجابة للتهديدات الأمنية. فقد يتردد الضباط في اتخاذ مبادرات جريئة خوفًا من تحمل المسؤولية عن أي إخفاق محتمل.
لكن، من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الإقالات إلى إحداث تغيير إيجابي في الجيش الإسرائيلي. فقد تفتح الباب أمام تعيين قيادات جديدة تتمتع برؤية جديدة، وقادرة على قيادة الجيش نحو مستقبل أفضل. كما يمكن أن تشجع على إجراء إصلاحات جذرية في هيكل الجيش وطريقة عمله، مما يزيد من قدرته على مواجهة التحديات الأمنية.
البحث عن بدائل: لجنة تحقيق وطنية ومستقبل الجيش
في محاولة للتهدئة وتجنب الضغوط المتزايدة، قررت الحكومة تشكيل “لجنة تحقيق وطنية” عينت لاحقًا لجنة وزارية برئاسة وزير القضاء ياريف ليفين. ومع ذلك، يثير هذا الإجراء شكوكًا حول مدى استقلالية اللجنة وصلاحياتها. الخوف من أن تكون اللجنة مجرد أداة لتبرئة الحكومة من المسؤولية يتزايد في الأوساط السياسية والإعلامية.
مستقبل الجيش الإسرائيلي معلق على نتائج هذه التحقيقات، وعلى قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة بكل شفافية ومسؤولية. تعد عملية الإصلاح وتحديث الجيش ضرورية لضمان قدرته على مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة. كما أن تعزيز الثقة بين الجيش والمجتمع المدني أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار والأمن على المدى الطويل. ستظل الوضع الأمني في إسرائيل موضوعًا للاهتمام والمتابعة في الأشهر والسنوات القادمة.



