مع انخفاض درجات الحرارة في العاصمة السورية دمشق، يواجه الطلاب تحدياً كبيراً في الحصول على بيئة تعليمية دافئة. فالبرد لا يقتصر على الشوارع والمنازل، بل يتسلل إلى الصفوف الدراسية، حيث يجلس آلاف الطلاب يومياً على مقاعد الدراسة في ظل نقص واضح في وسائل التدفئة. هذا التقرير يسلط الضوء على تدفئة المدارس في سوريا وواقعها المرير خلال فصل الشتاء، مع التركيز على دمشق والمناطق الأخرى.
واقع التدفئة في المدارس السورية مع اشتداد البرد
تُظهر جولة في العديد من المدارس السورية، خاصةً في دمشق وضواحيها، نقصاً حاداً في وسائل التدفئة. لا تقتصر المشكلة على عدم وجود أجهزة تدفئة كافية، بل تمتد لتشمل عدم توفر الوقود اللازم لتشغيلها، بالإضافة إلى ضعف شبكة الكهرباء التي تعيق استخدام المدفآت الكهربائية. هذا الوضع يؤثر بشكل مباشر على تركيز الطلاب وقدرتهم على الاستيعاب، ويزيد من خطر إصابتهم بالأمراض الشتوية.
إدارات المدارس تؤكد باستمرار أن الكميات الموزعة من الوقود لا تتناسب مع الحاجة الفعلية، خاصةً مع تزايد عدد الطلاب وارتفاع تكاليف التدفئة. الآلية المتبعة في التوزيع تخضع لتغييرات مستمرة، مما يزيد من حالة عدم اليقين لدى الإدارات المدرسية. ففي إحدى المدارس، ذكرت الإدارة أن الكمية الممنوحة في العام الماضي كانت 1520 لتراً لـ 38 فصلاً دراسياً، بينما تعتمد الآلية الحالية على حساب عدد الشعب الصفية والغرف الإدارية، في محاولة لضمان توزيع أكثر عدالة.
تأثير نقص التدفئة على الطلاب والأهالي
نقص التدفئة في المدارس لا يؤثر فقط على الطلاب داخل الصفوف، بل يمتد ليشمل قلق الأهالي. العديد من الأمهات يواجهن معضلة حقيقية: هل يرسلن أبنائهن إلى المدارس في ظل هذه الظروف، أم يبقونهن في المنزل خوفاً من تعرضهن للأمراض؟
“ما في تدفئة، وأغلب الأحيان لا أرسل أولادي لأنهم مرضى أو سيصابون بالبرد الشديد”، هكذا عبرت إحدى الأمهات لمراسلة “سوريا الآن”. وأضافت أن الطلاب يقضون فترات طويلة في الباحة الخارجية دون أي وسائل للحماية من البرد، مما يزيد من خطر إصابتهم بنزلات البرد والإنفلونزا.
الأمراض الشتوية وارتفاع الغياب
مع انخفاض درجات الحرارة، يرتفع معدل انتشار الأمراض الشتوية بين الطلاب، مما يؤدي إلى زيادة الغياب عن المدارس. هذا الغياب يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي للطلاب، ويزيد من الضغط على المعلمين والإدارات المدرسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار هذه المشكلة قد يؤدي إلى تفاقم التسرب من التعليم، خاصةً بين الطلاب الأكثر ضعفاً.
جهود وزارة التربية والتعليم وتحديات الواقع
تؤكد وزارة التربية والتعليم أنها تعمل جاهدة لتأمين مخصصات التدفئة للمدارس، وذلك في ظل الإمكانيات المتاحة. وتشير الوزارة إلى أنها تعطي الأولوية للمناطق الأشد برودة في جميع أنحاء البلاد.
يوسف عنان، معاون وزير التربية والتعليم، أوضح أن نسبة محددة من الوقود قد تم توزيعها على المدارس لتغطية النصف الأخير من عام 2025، وأن ميزانية جديدة سيتم تخصيصها مع بداية عام 2026 لتأمين احتياجات الفصل الدراسي الثاني.
خطط مستقبلية لتوزيع الوقود
تعتزم الوزارة، بالتعاون مع مديريات التربية والمنظمات الدولية والمحلية، وضع “خارطة جديدة” لتحديد كمية الوقود اللازمة لكل غرفة صفية في مختلف المناطق. هذه الخارطة ستأخذ في الاعتبار الاختلافات في الاحتياجات بين المناطق الساحلية، والشمالية، والجنوبية، والمناطق الجبلية. هذه الخطوة تعتبر إيجابية، ولكنها تتطلب تنفيذاً فعالاً ومتابعة دقيقة لضمان وصول الوقود إلى المدارس المحتاجة. كما أن البحث عن حلول بديلة للتدفئة مثل استخدام الطاقة الشمسية أو تحسين عزل المباني المدرسية قد يكون ضرورياً على المدى الطويل.
التعليم الآمن حق أساسي
بين برد الشتاء وقلة الإمكانيات، تبقى التدفئة في المدارس السورية تحدياً كبيراً يؤثر بشكل مباشر على حق الطلاب في التعليم الآمن. فالطلاب لا يستطيعون التركيز والتعلم بشكل فعال وهم يعانون من البرد.
هناك مطالبات شعبية متزايدة بإيجاد حلول أكثر فعالية لحماية الطلاب من قسوة الشتاء داخل الصفوف. هذه الحلول قد تشمل زيادة مخصصات الوقود، وتحسين كفاءة أجهزة التدفئة، وتوفير ملابس شتوية للطلاب المحتاجين، بالإضافة إلى دعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى توفير بيئة تعليمية دافئة وآمنة. إن توفير بيئة تعليمية مناسبة هو استثمار في مستقبل سوريا وأبنائها، ويتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية. كما أن دعم المبادرات المجتمعية للتدفئة يمكن أن يلعب دوراً هاماً في تخفيف المعاناة عن الطلاب.


