نتنياهو والمسؤولية الأخلاقية: قراءة في مقال “زمن إسرائيل”
أثار مقال نشرته صحيفة “زمن إسرائيل” العبرية جدلاً واسعاً، حيث وجه الكاتب ماندي شابيرو انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مركزاً على طلبه للعفو الرئاسي دون الاعتراف بالذنب. يرى شابيرو أن هذا التصرف ليس مجرد مناورة قانونية، بل هو خروج صارخ على القيم اليهودية الجوهرية التي تؤكد على تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ، وهو ما يمثل صدمة في السياق الإسرائيلي. هذا المقال يستعرض أبرز النقاط التي طرحها الكاتب، ويحلل الأبعاد الأخلاقية والسياسية لهذه القضية.
جوهر القضية: العفو مقابل الاعتراف بالذنب
يركز المقال على التناقض بين السعي للحصول على عفو رئاسي وبين رفض الاعتراف بالذنب. يجادل شابيرو بأن التوبة في الفكر اليهودي لا تكتمل إلا بالاعتراف بالخطأ أولاً، ثم طلب المغفرة. محاولة نتنياهو للقفز مباشرة إلى العفو دون المرور بهذه الخطوة الأساسية، وفقاً للكاتب، تشوه هذا المبدأ الأخلاقي الراسخ.
جذور المسؤولية في التراث اليهودي
يستند الكاتب إلى النصوص الدينية اليهودية، مؤكداً أن الكتاب المقدس مليء بأمثلة لشخصيات عظيمة اعترفت بأخطائها. يُشير إلى تكرار عبارة “أخطأت” أو ما شابهها على لسان الأنبياء والملوك، مما يدل على أن الاعتراف بالخطأ ليس علامة ضعف، بل هو دليل على النزاهة والشجاعة. هذا التركيز على المسؤولية الفردية يمثل، في نظر شابيرو، أحد الركائز الأساسية للهوية اليهودية.
داود النبي: النموذج الأمثل لتحمل المسؤولية
يقارن الكاتب بين سلوك نتنياهو وبين قصة النبي داود (عليه السلام)، الذي يعتبره “أعظم مثال على تحمل المسؤولية”. على الرغم من قوة داود وانتصاراته، لم يتردد في الاعتراف بخطيئته، ولم يسع لاستغلال نفوذه لتبرير أفعاله أو إسكات منتقديه. بل اعترف بخطئه لأنه كان يريد الاستمرار في قيادة شعبه ونيل الصفح الإلهي، مدركاً أن الاعتراف هو الطريق الوحيد لاستعادة الشرعية.
حتى “فرعون” فعل ما لم يفعله نتنياهو
بشكل صادم، يذهب شابيرو إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن حتى الشخصيات السلبية في التاريخ اليهودي، مثل فرعون وبلعام وعخان، اعترفت بالذنب في لحظة ما. ويستنكر بشدة عجز رئيس الوزراء الإسرائيلي عن القيام بما قام به “فرعون”، معتبراً ذلك سقطة أخلاقية كبيرة ودليلاً على غياب الشجاعة التي يجب أن يتحلى بها القادة. هذا التشبيه القوي يهدف إلى إبراز مدى خطورة الموقف، وتأثيره على صورة القيادة في إسرائيل.
الفرق بين “لم أدن” و “أخطأت”: أزمة أخلاقية وسياسية
يشدد الكاتب على وجود فجوة كبيرة بين المعنى القانوني التقني لعبارة “لم أدن” والذي يتمسك به نتنياهو، وبين المعنى الأخلاقي لعبارة “أخطأت”. فالقول بأن الشخص “لم يدن” يعني ببساطة أن المحكمة لم تصدر حكمها بعد، بينما الاعتراف بالخطأ يعني الإقرار بأن السلوك لم يكن لائقاً، وأن الهدايا التي تلقاها لم يكن ينبغي قبولها، بغض النظر عن التكييف القانوني.
الخطيئة والجريمة: منظور يهودي
يؤكد المقال أن التراث اليهودي يميز بوضوح بين “الخطيئة” و “الجريمة”. فمن الممكن أن يكون الشخص بريئاً قانونياً، ولكنه مذنب أخلاقياً. وهذا هو بالضبط جوهر الأزمة التي يواجهها نتنياهو مع إرثه السياسي. فالجمهور الإسرائيلي قد يرى أن أفعاله، حتى لو لم تكن مجرمة بالمعنى القانوني، كانت غير أخلاقية وتضر بمكانة رئيس الوزراء. هذا التمييز بين الخطيئة والجريمة يمثل عنصراً أساسياً في فهم السياق الأخلاقي الذي يحلل فيه الكاتب تصرفات رئيس الوزراء.
يوم حزين في التاريخ اليهودي
في الختام، يرى شابيرو أن امتناع زعيم “دولة اليهود” عن قول الحقيقة، حتى فيما يتعلق بالهدايا البسيطة، يمثل يوماً حزيناً جداً في التاريخ اليهودي. بغض النظر عن مصير طلب العفو، فإن هذا الرفض للاعتراف بالخطأ يمثل خيانة للقيم التي قامت عليها الحضارة اليهودية. هذا الموقف، بحسب الكاتب، يهدد بتقويض الثقة في القيادة السياسية، ويترك أثراً سلبياً على مستقبل إسرائيل.
هذا المقال يثير تساؤلات مهمة حول العلاقة بين القانون والأخلاق، ودور القيادة في تحمل المسؤولية. كما يسلط الضوء على أهمية التراث الديني والأخلاقي في تشكيل الهوية الوطنية، ويقدم تحليلاً نقدياً لسياسات نتنياهو من منظور يهودي. من المؤكد أن هذه القضية ستستمر في إثارة الجدل والنقاش في الأوساط الإسرائيلية والعالمية.


