أعلنت الهيئة السعودية للمياه عن شراكة استراتيجية مع شركة “إب كربون” لتنفيذ مشروع رائد يهدف إلى إزالة الكربون من عمليات تحلية المياه، مع زيادة إنتاج المياه العذبة والمواد الكيميائية القيمة. تأتي هذه الخطوة في إطار جهود المملكة المتسارعة لتحقيق الاستدامة البيئية وتعزيز الأمن المائي، وذلك من خلال تحويل النفايات الناتجة عن التحلية إلى موارد اقتصادية قابلة للاستخدام. ومن المتوقع أن يساهم المشروع في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير على مدى السنوات العشر المقبلة.

بدءاً من معهد ابتكار تقنيات المياه والأبحاث المتقدمة في الجبيل، ستُدمج تقنية “إب كربون” في محطات التحلية التابعة للهيئة. وتعد الهيئة السعودية للمياه حالياً أكبر مشغل للبنية التحتية لتحلية المياه في العالم، وتلعب دوراً محورياً في تلبية الطلب المتزايد على المياه في المملكة العربية السعودية.

أهمية مشروع إزالة الكربون من تحلية المياه في المملكة

تعتمد المملكة العربية السعودية بشكل كبير على تحلية المياه لتأمين إمداداتها من المياه العذبة، حيث تمثل حوالي 22% من إجمالي الطاقة الإنتاجية العالمية لتحلية المياه. ومع ذلك، فإن عمليات التحلية التقليدية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة وتنتج مياهاً راجعة مالحة بكميات هائلة. تقليدياً، تمثل هذه المياه الراجعة تحدياً بيئياً، ويتم التخلص منها في البحر، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية على النظم البيئية البحرية.

تهدف هذه الشراكة إلى معالجة هذه التحديات من خلال تحويل المياه الراجعة المالحة إلى مورد ذي قيمة. وتعتبر هذه الخطوة جزءاً من رؤية المملكة 2030 الطموحة، التي تركز على الاستدامة البيئية والتنويع الاقتصادي والابتكار التقني.

تقنية “إب كربون” المبتكرة

تعتمد تقنية “إب كربون” على عمليات كهروكيميائية متطورة لتحويل المحلول الملحي الناتج عن التحلية إلى ثلاثة منتجات رئيسية: الصودا الكاوية، وحمض الهيدروكلوريك، ومحلول ملحي منخفض الملوحة. يمكن إعادة استخدام هذه المنتجات في محطات التحلية نفسها أو بيعها للصناعات الأخرى، مما يقلل من الاعتماد على المواد الكيميائية المستوردة ويعزز النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الصودا الكاوية لزيادة قلوية مياه البحر، مما يساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بشكل طبيعي ومستدام. هذا الجانب من التقنية يساهم بشكل مباشر في جهود المملكة لتحقيق الحياد الصفري للانبعاثات.

فوائد بيئية واقتصادية متوقعة

وفقاً للهيئة السعودية للمياه، يمكن لمحطات التحلية التابعة لها إزالة حوالي 85 ميغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بمجرد تطبيق تقنية “إب كربون” على نطاق واسع. هذا الإنجاز سيعزز بشكل كبير مساهمة المملكة في مكافحة تغير المناخ وتحقيق أهداف اتفاقية باريس.

علاوة على ذلك، فإن المشروع سيساهم في استعادة التوازن الكيميائي للمحيطات من خلال تخفيض مستويات الحموضة الناتجة عن امتصاص الكربون. وتشير الدراسات التي أجرتها شركة “إب كربون” بالتعاون مع معاهد بحثية أمريكية إلى أن هذه العملية يمكن أن تؤدي إلى تحسينات ملحوظة في صحة النظم البيئية البحرية في الخليج العربي. ويُعد التحلية جزءاً أساسياً من استراتيجية الأمن المائي في المملكة.

صرح طارق الغفاري، وكيل الأبحاث والتقنيات الواعدة في الهيئة السعودية للمياه، بأن هذا المشروع يؤكد قدرة المملكة على الاستفادة من مكانتها الرائدة في إنتاج المياه المحلاة لتأسيس قطاعات جديدة وتوفير فرص عمل مبتكرة. كما أكد على أهمية التصنيع المحلي للتقنية في تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز التنوع الاقتصادي.

يُذكر أن شركة “إب كربون” لديها سجل حافل بالنجاح في تنفيذ مشاريع تجريبية في الولايات المتحدة، بما في ذلك تجارب طويلة الأمد بالتعاون مع المختبر الوطني لشمال غرب المحيط الهادئ التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، ومشروع “ماكوما” المطمئن في ولاية واشنطن.

تتجه المملكة العربية السعودية نحو زيادة طاقتها الإنتاجية لتحلية المياه بنسبة 10% بحلول عام 2030، لتصل إلى 17.8 مليون متر مكعب يومياً. هذا التوسع، إلى جانب تطبيق تقنيات إزالة الكربون المتقدمة مثل تقنية “إب كربون”، سيعزز من قدرة المملكة على مواجهة التحديات المائية والبيئية بشكل فعال ومستدام.

الخطوة التالية تتضمن توسيع نطاق المشروع ليشمل المزيد من محطات التحلية التابعة للهيئة السعودية للمياه، وتطوير البنية التحتية اللازمة لتصنيع المواد الكيميائية المنتجة محلياً. من المهم متابعة التطورات التقنية والتنظيمية المتعلقة بهذا المشروع لتقييم تأثيره الفعلي على البيئة والاقتصاد، فضلاً عن إمكانية تطبيقه في مناطق أخرى تعاني من ندرة المياه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version